-
- ИССЛЕДОВАТЬ
-
-
-
-
-
-
-
-
خصائص شهر رمضان

لحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد ﷺ قال تعالى: ﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةُ:183].
وقال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةُ:184].
وقال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) ﴾ [البقرة].
فشهر رمضان شهر عظيم، مبارك، شرع الله فيه الصيام، الذي نجد آثاره الظاهرة المباركة في المجتمع كله:
1- كتعويد الصائمين الخشية لله تعالى في السِّرِّ والعلانية .
2- وكسر حدة الشهوة.
3- وتربية النفوس على الشفقة والرحمة.
4- والمساواة بين الإغنياء والفقراء والأَشراف والأوضاع في صيام الشهر.
5- وتعويد الأُمَّة على النظام والوحدة والوئام .
6- وتنقية المواد المترسبة في البدن، وتحسين الصحة.
7- بل ويظهر ذلك جليا في امتلاء المساجد بالمصلين، وكثرة القارئين للقرآن الكريم.
.
خصائص شهر رمضان
قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة:185].
فشهر رمضان شهر مبارك، خصَّه ربُّ العالمين بخصائص كثيرة على سائر شهور السَّنَّة، ومن هذه الخصائص الجليلة:
1- اختصاص شهر رمضان بنزول القرآن
فقد خصَّ الله هذا الشهر دون سائر الأشهر بهذه الخِصِّيْصَة العظيمة، وهي إنزال القرآن، قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ .
ولذا كان على المؤمن أن يزداد عنايةً بالقرآن قراءةً وتدبرًا، وتلاوةَ وعملًا، لا سيما في شهر رمضان، اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام:
1- ففي «صحيح البخاري» (6)، و«صحيح مسلم» (2308) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وفي رواية مسلم: كان أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله «فتح الباري شرح صحيح البخاري»: دلَّ الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعَرْضِ القرآن على مَن هو أحفظ له.
وفيه: دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.ـ
وفيه: أن المدارسة بينه ﷺ وبين جبريل كانت ليلاً؛ ففيه دلالةٌ على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على تدبر القرآن، قال تعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6].
2- وفي «صحيح البخاري» (6285)، و«صحيح مسلم» (2450) من حديث فاطمةَ رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال لها في مرضه الذي مات فيه: «إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ».
فهكذا ينبغي أن يكون المؤمن في شهر رمضان: كثير التلاوة للقرآن، محافظا على ذلك في لياليه، كما كان هدي رسول الله ﷺ في كل ليلة مع جبريل عليه السلام.
2- اختصاص رمضان بفريضة الصيام
وخصَّ الله عزوجل شهر رمضان دون سائر الأشهر بفريضة الصيام، وجعل صيام رمضان ركنا من أركان الإسلام، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة:185].
1- وفي «صحيح البخاري» (8)، و«مسلم» (16) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
2- وفي «صحيح البخاري» (38)، و«صحيح مسلم» (760) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
فينبغي أن يكون صوم المسلم: «إيمانا واحتسابا». فيصوم أيامه كلها؛ إيماناً بفرضيته، ومُصدِّقاً وطالباً لثوابه.
3- اختصاص شهر رمضان بتأكيد القيام
وخصَّ الله شهر رمضان بتأكيد مشروعية القيام، وجعل له فضلا وأجرا عظيما وهو مغفرة الذنب، ففي «صحيح البخاري» (37)، و«صحيح مسلم» (759) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». واللفظ لمسلم.
فينبغي للمؤمن أن يستجيب لهذا الحث والترغيب، ويغتنم مثل هذه الفرص العظيمة، ولا يترك قيام رمضان، ولا ينصرف حتى يفرغ إمامه، لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي ﷺ : «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ». رواه أبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1364)، وابن ماجه (1327)ـ وأحمد (21419). «صحيح أبي داود» (1227).
4- اختصاص شهر رمضان بليلة القدر
وخصَّ الله شهر رمضان بليلةٍ عظيمة لا تساويها ليالي السنة كلها، في فضلها وقدرها وبركتها؛ ألا وهي ليلة القدر، ولا تكون هذه الليلة المباركة إلا في رمضان، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ﴾ [القدر].
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) ﴾ [الدخان].
فليفرح المؤمن بهذا الفضل العظيم، وليحرص على بركة هذه الليلة بقيامها، فقد كان النبي ﷺ يوصي الصحابة بتحريها:
- ففي «صحيح البخاري» (2017)، و«صحيح مسلم» (1169) عن عائشة رضي الله عنها: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».
2- وكان ﷺ أيضًا يُرَغِّب في قيامها بقوله ﷺ : «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». كما في «صحيح البخاري» (35)، و«صحيح مسلم» (760) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
3- وكان ﷺ يتحراها، ويعتكف رجاء التماسها، ففي «صحيح البخاري» (2018)، و«صحيح مسلم» (1267)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ، قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِـ ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ، فَقَالَ: «إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ». فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ، قَالَ: «وَإِنِّي أُرْبِئْتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ، وَإِنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ». فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إِلَى الصُّبْحِ، فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ، فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ، وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ.
قوله: (روثة أنفه): أي طرفه، ويقال لها أرنبة الأنف، كما في رواية أحمد.
وأرجى لياليها هي: ليلةُ سبع وعشرين:
4- ففي «مسند أحمد» (4808) بإسناد صحيح، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ». وَقَالَ: «تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ».
5- وأيضا في «مسند أحمد» (2149) بإسناد صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلِيلٌ، يَشُقُّ عَلَيَّ الْقِيَامُ، فَأْمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنِي فِيهَا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ».
6- وفي «صحيح مسلم» (762) عن زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قال: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ: مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ؛ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ. أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ: بِالْعَلَامَةِ أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا.
7- وفي ((سنن أبي داود)) (1386) بإسناد صحيح، عن معاوية رضي الله عنه قال: ليلةُ القدر: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. «صحيح أبي داود» (1254).
5- اختصاص شهر رمضان بعدة أعمال تؤهل لمغفرة الرحمن
وخصَّ الله شهر رمضان بالأعمال المؤهلة لمغفرة الذنب:
1- ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: «من صام (وفي رواية: من قام رمضان- وفي رواية: من قام ليلة القدر) إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». وقد تقدَّم.
2- وفي «صحيح مسلم» (333) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ؛ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».
إذن فهو شهر الغفران، فمن حرص عليه كان مغفور الذنب غانما، ومن فرَّط فيه صار شقيا غارما:
3- وفي «صحيح ابن حبان» (409)، عن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: «آمِينَ». ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: «آمِينَ». ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: «آمِينَ». ثُمَّ، قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ، فقَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ». «صحيح الترغيب والترهيب» (995).
4- وفي «سنن الترمذي» (3545)، و«مسند أحمد» (7451)، و«صحيح ابن حبان» (908)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ». «صحيح الترمذي» (2810)، «صحيح الترغيب والترهيب» (997)، «التعليقات الحسان» (905): حسن صحيح.
5- في «الأدب المفرد» (646)، والبزار (3169-كشف الأستار)، وابن خزيمة (1888)، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ رقي المنبر، فقال: «آمين، آمين، آمين». قيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟! فقال: «قال لي جبريل: رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما لم يدخله الجنة، قلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين». «صحيح الأدب المفرد» (503): حسن صحيح.
6- وفي «الأدب المفرد» (644)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَقَى الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقَى الدَّرَجَةَ الْأُولَى، قَالَ: «آمِينَ». ثُمَّ رَقَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «آمِينَ». ثُمَّ رَقَى الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «آمِينَ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْنَاكَ تَقُولُ: آمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: «لَمَّا رَقِيتُ الدَّرَجَةَ الْأُولَى جَاءَنِي جِبْرِيلُ ﷺ فَقَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ». «صحيح الأدب المفرد» (501): صحيح لغيره.
قال المناوي رحمه الله: رغم أنف من عَلِمَ أنه لو كفَّ نفسه عن الشهوات شهراً في كل سنة، وأتى بما وُظِّفَ له فيه من صيام وقيام؛ غفر له ما سلف من الذنوب، فقصّر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى، فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيماناً واحتساباً عظّمه الله، ومنْ لم يعظِّمه الله حقَّره وأهانه.ـ
5- اختصاص شهر رمضان بعدة أعمال تؤهل لمغفرة الرحمن
موعظة:
فاتق الله أيها المسلم -وأنت أيتها المسلمة-، ولا تضيعوا فرصة رمضان فتجلبوا على أنفسكم الذلة والرَّغام.
ولعلك يا عبد الله، -وأنت يا أمة الله- لا تُدركون عاما مُقبلا، ورمضان آخر؛ فكم من إخوة لنا كانوا معنا في رمضان الماضي، فلم يأت رمضان هذا إلا وقد غادروا هذه الدنيا، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) ﴾ [لقمان].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) ﴾ [الحشر].
6- اختصاص شهر رمضان بفتح أبو اب الجنة وأبواب الرحمة وغلق أبواب النار وسلسلة الشياطين
وخصَّ الله شهر رمضان بِفَتْحِ أبواب الرحمة، وفَتْحِ أبواب الجنة، فلا يبقى باب من أبواب الجنة إلا فُتِحَ، ولا باب من أبواب النار إلا أُغْلِقَ، وتُسَلْسَلُ فيه الشياطين، ففي «صحيح البخاري» (3277)، و«صحيح مسلم» (1079) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ».
وفي رواية للبخاري (1899): «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ».
وفي رواية لمسلم: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ».
وفي رواية الترمذي (682): «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» وللحديث شواهد. «صحيح الجامع» (795).
فيا عبد الله، إذا لم تُقْبِلْ على الخير في رمضان -وقد سُلْسِلَتْ فيه الشيطان-، فمتى سَتُقْبِلُ؟!
ويا عبد الله، إذا لم تَقْصِر عن الشَّرِّ في رمضان، فمتى سَتُقْصِرُ؟!
7- اختصاص شهر رمضان بالعتق من النار في كل ليلة
وخصَّ الله هذا الشهر الكريم بالعتق من النار في كل ليلة من ليالي رمضان:
1- وقد تقدَّم قوله ﷺ : «ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة».
2- وأيضا عند أحمد (22202) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه وهو في «الصحيح المسند» عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ».
3- وجاء أيضا عند أحمد (7450) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ». وسنده على شرط الشيخين.
فيا عبد الله، يا من ترجو العتق من عذاب الله؛ تَعَرَّض لمثل هذه الكرامات وبادر إلى هذه المقامات، فهذا شهر العتق من النار، وهو شهر الرَّحمة، وشهر الغُفران، فمن حُرِمَ خير هذا الشهر وبركتَه؛ فهو المحروم.
8- اختصاص شهر رمضان بمزيد اجتهاد في مرضاة الرحمن
وكان رسول الله ﷺ يخص رمضان بمزيد من الاجتهاد في القيام، وتلاوة القرآن، وتحرى الاعتكاف فيه، ويخصُّ الشهر بمزيد من سجاياه الكريمة، لا سيما صفة الجود والانفاق والإحسان، ففي «صحيح البخاري» (6)، و«صحيح مسلم» (2380) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (4/139): قال الزين بن المنير: وجه التشبيه بين أجوديته ﷺ بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أيْ فيعم خيره وبره مَنْ هو بصفة الفقر والحاجة، ومَنْ هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعمّ الغيث الناشئة عن الريح المرسلة.ـ
وكان الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح يتأسون برسول الله ﷺ في كرمه وجوده، بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى في إظهار الدين، وهداية العباد، وإيصال النفع إليهم بكل طريق؛ من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل ﷺ على هذه الخصال الحميدة منذ نَشَأَ، ولهذا قالت له خديجة رضي الله عنها، كما في «صحيح البخاري» (4)، و«صحيح مسلم» (160) لما قال لها ﷺ في أول مبعثه: «لقد خشيت على نفسي». فقالت: كلا والله، لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتَقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتُكْسِبَ المعدومَ، وتُعين على نوائب الحق.
ثم تزايدت هذه الخصال الحميدة فيه بعد البعثة، وتضاعفت أضعافاً كثيرة، ولا سيما في رمضان.
فتأس أيها الصائم برسول الله ﷺ ، ولْتَتَجَلَّ فيك خصلة الجود والإحسان -لا سيما في رمضان-، وتفقد الأقربين والفقراء والأيتام، واعلم أن الصدقة لذي الرحم: «لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة»، كما في «صحيح البخاري» (1466)، و«صحيح مسلم» (1000).
9- اختصاص العشر من رمضان بمزيد من الاجتهاد على الشهر كله
1- عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. رواه البخاري (2034)، ومسلم (1174).
2- وعن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. رواه مسلم (1175).
معنى: (شد مئزره)، أي: اعتزال النساء, وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار.
قال الخطابي: يحتمل أن يريد به الجد في العبادة، كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي تشمرت له، ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا، ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز، فيكون المراد: شد مئزره حقيقة فلم يحله، واعتزل النساء وشمر للعبادة.
(وأحيى ليله)، أي: سهره، فأحياه بالطاعة، وأحيى نفسه بسهره فيه؛ لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعا؛ لأن القائم إذا حيى باليقظة أحيى ليله بحياته.
(وأيقظ أهله)، أي: للصلاة. «فتح».
وقال الإمام النووي رحمه الله في «شرح مسلم»: اختلف العلماء في معنى (شد المئزر)، فقيل: هو الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته ﷺ في غير، ومعناه: التشمير في العبادات، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت له وتفرغت. وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات.
وقولها: (أحيا الليل) أي: استغرقه بالسهر في الصلاة، وغيرها.
وقولها: (وأيقظ أهله) أي: أيقظهم للصلاة في الليل وجد في العبادة زيادة على العادة.
ففي هذا الحديث: أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات.ـ
3- وفي «صحيح البخاري» (2026)، و«صحيح مسلم» (1172) عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
4- وفي «صحيح البخاري» (4998) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَام الَّذِي قُبِضَ فِيهِ.
10- اختصاص شهر رمضان بالعمرة التي تعدل أجر الحج
وقد خُصَّ المعتمر في شهر رمضان بأجرٍ عظيم، وثواب كبير، لا يُحَصِّله إلا بالعمرة في هذا الشهر، فالعمرة في شهر رمضان تعدل أجر الحج:
1- ففي «صحيح البخاري» (1863)، و«صحيح مسلم» (1256) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها «مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ؟» قَالَتْ: أَبُو فُلَانٍ -تَعْنِي زَوْجَهَا- كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي».
وفي رواية لهما: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فاعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيه تعدل حجة».
2- وفي «مسند أحمد» (14795)، (14882)، (15270)، بإسناد صحيح، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً».
3- وفي «مسند أحمد» (17661) بإسناد صحيح، عَنْ وَهْبِ بْنِ خَنْبَشٍ الطَّائِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً».
4- وفي «مسند أحمد» (16406) بإسناد صحيح، عن يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَامْرَأَتِهِ: «اعْتَمِرَا فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ لَكُمَا كَحَجَّةٍ».
5- وفي «مسند أحمد» (27106) عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ الْأَسَدِيَّةِ قَالَتْ: أَرَادَتْ أُمِّي الْحَجَّ، وَكَانَ جَمَلُهَا أَعْجَفَ (أي ضعيف)، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ». وهو صحيح لغيره. «الإرواء» (869).
6- وعند الدولابي في «الأسماء والكنى» (1/41) بإسناد جيد، عن أبي طليق رضي الله عنه: أن امرأته أم طليق أتته، فقالت له: حضر الحج يا أبا طليق! وكان له جمل وناقة، يحج على الناقة، ويغزو على الجمل، فسأَلَته أن يعطيها الجمل تحج عليه؟ فقال: ألم تعلمي أني حبسته في سبيل الله؟! قالت: إن الحج من سبيل الله؛ فأعطنيه يرحمك الله ! قال: ما أريد أن أعطيَكِ. قالت: فأعطني ناقتك وحج أنت على الجمل. قال: لا أوثركِ بها على نفسي. قالت: فأعطني من نفقتك. قال: ما عندي فضل عني وعن عيالي ما أخرج به، وما أترك لكم. قالت: إنك لو أعطيتني أخلفكها الله.
قال: فلما أَبَيْتُ عليها، قالت: فإذا أتيت رسول الله ﷺ ، فأَقْرِئْهُ مني السلام، وأخبره بالذي قلتُ لك. قال: فأتيت رسول الله ﷺ ، فأقرأته منها السلام، وأخبرته بالذي قالت أم طليق، قال: «صَدَقت أمُّ طُلَيْقٍ؛ لو أعطيتَها الجمَلَ كان في سبيلِ اللهِ، ولو أعطيتها ناقتكَ كانت وكنتَ في سبيلِ اللهِ، ولو أعطيتها من نفقتِكَ أَخْلَفَكَها اللهُ». قال: وإنها تسألك يا رسول الله، ما يعدل الحج؟ قال: «عمرة في رمضان». «الصحيحة» (3069).
قال المناوي رحمه الله في «فيض القدير» (4/361): أي تُقابلها وتُماثلها في الثواب؛ لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت، ولا تقوم مقامها في إسقاط الفرض بالإجماع.ـ
فينبغي لمن أعطاه الله عزوجل مالًا ألا يُفَوِّت على نفسه مثل هذه الفرصة العظيمة في رمضان، فقد كان الصحابة ي يتسابقون لذلك، ويتنافسون في الخيرات، ففي «صحيح البخاري» (843)، و«صحيح مسلم» (595) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ... الحديث.
والشاهد: أن رسول الله ﷺ أقرَّهم على أن الأغنياء بأعمالهم هذه –ومنها العمرة- قد سبقوا غيرهم.
- فنون و لوحات
- دورات تدريبية
- علوم الكومبيوتر
- موبايلات
- الذكاء الاصطناعي
- سينما و افلام
- رياضة
- طبخ
- العاب
- تصميم الحدائق و زراعة الورد
- صحة
- تصميم المنزل
- شبكات وانترنت
- موسيقا
- سياسة
- منوعات مختلفة
- اسلحة و ثقافة عسكرية
- ديني
- تسوق
- رياضة
- تلفزيون
- اقتصاد
- الاسلام
- سياحة