أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خرج عامَ الفتحِ إلى مكةَ في رمضانَ . فصام حتى بلغ كراعَ الغميمِ . فصام الناسُ . ثم دعا بقدحٍ من ماءٍ فرفعَه . حتى نظر الناسُ إليهِ . ثم شرب . فقيل لهُ بعد ذلك : إنَّ بعض الناسِ قد صام . فقال : أولئك العصاةُ . أولئك العصاةُ . وفي روايةٍ : إنَّ الناسَ قد شقَّ عليهم الصيامُ . وإنما ينظرون فيما فعلت . فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعد العصرِ .
شرح الحديث
هذا الحديثُ فيه بيانُ رُخصَةِ الإفطارِ في السَّفَرِ، وبيانُ هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم في الشَّفَقَةِ بأُمَّتِه حتَّى لا يَجتَمِعَ عليهم مَشَقَّةُ السَّفَرِ مع مَشَقَّةِ الصِّيامِ.
ففيه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرَج عامَ الفَتْحِ إلى مَكَّةَ في رَمَضَانَ، فصام حتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فصام الناسُ"، أي: خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينةِ قاصدًا فَتْحَ مَكَّةَ في شَهرِ رَمَضَانَ وهو صائِمٌ هو ومَن معه مِن الناسِ، حتَّى وصَل إلى "كُرَاع الغَمِيم"، وهو اسمُ مَوضِعٍ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، والغَمِيمُ وادٍ أمامَ عُسْفَانَ بثمانية أميال (حوالي: كيلومترًا)، ويَبعُد كيلومترًا من مَكَّةَ على طريقِ المَدِينَةِ، يُضافُ إليه هذا الكُرَاعُ، وهو جَبَلٌ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ به، والكُرَاعُ: كلُّ أَنْفٍ سال مِن جَبَلٍ أو حَرَّةٍ.
"ثُمَّ دعا بِقَدَحٍ من ماءٍ، فرَفَعه، حتَّى نَظَر الناسُ إليه، ثُمَّ شَرِبَ"، أي: شَرِبَ بعدَ أن رَأَى الناسُ القَدَح في يَدِه؛ لِيُتابِعُوه في الإفطارِ ويَقْتَدُوا به؛ لأنَّ الصِّيامَ كان نَهِكَهُم وأَضَرَّ بهم، فأراد صلَّى الله عليه وسلَّم الرِّفْقَ بهم والتَّيسِيرَ عليهم، أخْذًا بقولِه تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ]، فأَخبَرَ تعالى أنَّ الإفطارَ في السَّفَرِ أراد به التيسيرَ على عبادِه.
"فقِيلَ له بعدَ ذلك: إنَّ بعضَ الناسِ قد صام، فقال: "أُولَئِكَ العُصاةُ"؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أمَر أمرًا فيَجِب امتِثالُه، وهو تارةً يأمُر بِمَقالِه، وتارةً يَأمُر بفِعالِه، فلمَّا أَفْطَرَ كان أمرًا بلِسانِ الحالِ قاصدًا بذلك الرُّخْصَةَ؛ لِيَقْوَى بالفِطرِ على ما نَهَضَ له مِن الجِهادِ، فلمَّا رَغِب هؤلاءِ عن فِعلِه كانوا على غَايةِ الغَلَطِ؛ لأنَّهم إنْ ظَنُّوا أنَّ صومَهم أفضلُ مِن فِطْرِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكفَى بهذا خطأً ونُقصانَ فَهْمٍ، وإنْ كانوا لم يَعْلَمُوا أنَّ فِطرَهم أقوَى لهم على الجِهادِ، فهو سُوءُ فَهْمٍ؛ فلذلك سُمُّوا عُصَاةً مِن حيثُ إنَّ فِعلَهم ذلك تَجاوَزُوا فيه الشَّرْعَ ولم يَلِينُوا لِقَبولِه.
وفي روايةٍ: "إنَّ الناسَ قد شَقَّ عليهم الصِّيامُ، وإنَّما يَنظُرون فيما فَعَلْتَ، فدَعَا بقَدَحٍ من ماءٍ بعدَ العَصْرِ "، أي: في الروايةِ الأُخرَى تَوْضِيحُ أنَّ الصيامَ قد أَنْهَكَ الناسَ، وأنَّهم يَنتظِرون أمرَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه المسألةِ، فدَعَا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالماءِ بعدَ العصرِ وشَرِب.
وفي الحديثِ: إفطارُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في السَّفَرِ.
وفيه: تَمامُ رَحمةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه وشَفَقَتِه عليهم.
وفيه: ضرورةُ اتِّباعِ أوامِرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّ مَن خالَفَه بأيِّ تصوُّرٍ يكونُ عاصِيًا .
صحيح مسلم
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خرج عامَ الفتحِ إلى مكةَ في رمضانَ . فصام حتى بلغ كراعَ الغميمِ . فصام الناسُ . ثم دعا بقدحٍ من ماءٍ فرفعَه . حتى نظر الناسُ إليهِ . ثم شرب . فقيل لهُ بعد ذلك : إنَّ بعض الناسِ قد صام . فقال : أولئك العصاةُ . أولئك العصاةُ . وفي روايةٍ : إنَّ الناسَ قد شقَّ عليهم الصيامُ . وإنما ينظرون فيما فعلت . فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعد العصرِ .
شرح الحديث
هذا الحديثُ فيه بيانُ رُخصَةِ الإفطارِ في السَّفَرِ، وبيانُ هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم في الشَّفَقَةِ بأُمَّتِه حتَّى لا يَجتَمِعَ عليهم مَشَقَّةُ السَّفَرِ مع مَشَقَّةِ الصِّيامِ. ففيه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرَج عامَ الفَتْحِ إلى مَكَّةَ في رَمَضَانَ، فصام حتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فصام الناسُ"، أي: خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينةِ قاصدًا فَتْحَ مَكَّةَ في شَهرِ رَمَضَانَ وهو صائِمٌ هو ومَن معه مِن الناسِ، حتَّى وصَل إلى "كُرَاع الغَمِيم"، وهو اسمُ مَوضِعٍ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، والغَمِيمُ وادٍ أمامَ عُسْفَانَ بثمانية أميال (حوالي: كيلومترًا)، ويَبعُد كيلومترًا من مَكَّةَ على طريقِ المَدِينَةِ، يُضافُ إليه هذا الكُرَاعُ، وهو جَبَلٌ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ به، والكُرَاعُ: كلُّ أَنْفٍ سال مِن جَبَلٍ أو حَرَّةٍ. "ثُمَّ دعا بِقَدَحٍ من ماءٍ، فرَفَعه، حتَّى نَظَر الناسُ إليه، ثُمَّ شَرِبَ"، أي: شَرِبَ بعدَ أن رَأَى الناسُ القَدَح في يَدِه؛ لِيُتابِعُوه في الإفطارِ ويَقْتَدُوا به؛ لأنَّ الصِّيامَ كان نَهِكَهُم وأَضَرَّ بهم، فأراد صلَّى الله عليه وسلَّم الرِّفْقَ بهم والتَّيسِيرَ عليهم، أخْذًا بقولِه تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ]، فأَخبَرَ تعالى أنَّ الإفطارَ في السَّفَرِ أراد به التيسيرَ على عبادِه. "فقِيلَ له بعدَ ذلك: إنَّ بعضَ الناسِ قد صام، فقال: "أُولَئِكَ العُصاةُ"؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أمَر أمرًا فيَجِب امتِثالُه، وهو تارةً يأمُر بِمَقالِه، وتارةً يَأمُر بفِعالِه، فلمَّا أَفْطَرَ كان أمرًا بلِسانِ الحالِ قاصدًا بذلك الرُّخْصَةَ؛ لِيَقْوَى بالفِطرِ على ما نَهَضَ له مِن الجِهادِ، فلمَّا رَغِب هؤلاءِ عن فِعلِه كانوا على غَايةِ الغَلَطِ؛ لأنَّهم إنْ ظَنُّوا أنَّ صومَهم أفضلُ مِن فِطْرِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكفَى بهذا خطأً ونُقصانَ فَهْمٍ، وإنْ كانوا لم يَعْلَمُوا أنَّ فِطرَهم أقوَى لهم على الجِهادِ، فهو سُوءُ فَهْمٍ؛ فلذلك سُمُّوا عُصَاةً مِن حيثُ إنَّ فِعلَهم ذلك تَجاوَزُوا فيه الشَّرْعَ ولم يَلِينُوا لِقَبولِه. وفي روايةٍ: "إنَّ الناسَ قد شَقَّ عليهم الصِّيامُ، وإنَّما يَنظُرون فيما فَعَلْتَ، فدَعَا بقَدَحٍ من ماءٍ بعدَ العَصْرِ "، أي: في الروايةِ الأُخرَى تَوْضِيحُ أنَّ الصيامَ قد أَنْهَكَ الناسَ، وأنَّهم يَنتظِرون أمرَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه المسألةِ، فدَعَا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالماءِ بعدَ العصرِ وشَرِب. وفي الحديثِ: إفطارُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في السَّفَرِ. وفيه: تَمامُ رَحمةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه وشَفَقَتِه عليهم. وفيه: ضرورةُ اتِّباعِ أوامِرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّ مَن خالَفَه بأيِّ تصوُّرٍ يكونُ عاصِيًا .