تَضمَّن اللهُ لِمن خرَج في سَبيلِه، لا يُخرِجُه إلَّا جِهادًا في سَبيلي، وإيمانًا بي، وتَصديقًا برُسُلي - فهو عليَّ ضامِنٌ أنْ أُدخِلَه الجنَّةَ، أو أُرجِعَه إلى مَسكَنِه الَّذي خرَج منه، نائلًا ما نال مِن أجْرٍ أو غَنيمَةٍ، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، ما مِن كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبيلِ اللهِ، إلَّا جاء يومَ القيامَةِ كهيئَتِه حين كُلِم، لَونُه لونُ دمٍ وريحُه مِسكٌ، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، لولا أن يَشُقَّ على المسلِمين، ما قعَدْتُ خِلافَ سَريَّةٍ تَغْزو في سَبيلِ اللهِ أبدًا، ولكنْ لا أجِدُ سَعةً فَأَحْمِلَهُمْ، ولا يَجِدون سَعةً، ويَشُقُّ عليهم أن يتَخلَّفوا عنِّي، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، لوَدِدتُ أنِّي أغزُو في سبيلِ اللهِ فأُقتَلُ، ثمَّ أَغزُو فأُقتَلُ، ثمَّ أغزُو فأُقتَلُ.
شرح الحديث
الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ لَهُ في الإسلامِ مَنْزلةٌ عاليةٌ؛ لِمَا فيه مِن الفَضْلِ والأَجْرِ الذي يُفضَّلُ به على كثيرٍ من العِباداتِ، وفي هذا الحديثِ يَقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "تَضمَّنَ اللهُ"، أي: أَوْجَبَ اللهُ تعالى على نَفْسِه، "لِمَن خَرَج في سَبيلِهِ"، أي: يُريدُ الغزوَ والجِهادَ في سبيلِ اللهِ وضِدَّ أعداءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "لا يُخْرِجُهُ إلا جهادًا في سَبيلي"، أي: لا تكون نيَّتُه في الخُروجِ إلا للهِ عزَّ وجلَّ، "وإيمانًا بي، وتصديقًا بِرُسُلي"، أي: ومُؤمنًا برُسُلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وبما أُرْسِلوا به بما ذَكَرَهم سُبْحانَه في كتابِه وبيَّنتْه سُنَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فهو عليَّ ضَامِنٌ أنْ أُدْخِله الجَنَّةَ"، أي: كان جزاؤه عِنْد اللهِ تعالى أنْ يُدْخِلَه الجَنَّة، وذلك إنْ قُتِلَ في المَعْركةِ، "أو أَرْجَعَه إلى مَسْكنِه الذي خَرَج منه نائلًا ما نال من أَجْرٍ أو غَنيمةٍ"، أي: فإنَّ لم يُقْتَل جَعَل اللهُ عزَّ وجلَّ له أجرًا عظيمًا في الآخرةِ، ورَزَقَهُ الغنيمةَ في الدُّنيا، قال النبيُّ صلىَّ الله عليه وسلَّم: "والذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيدِه"، أي: يَحْلِفُ النبيُّ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلك لأنَّ اللهَ هو الذي يَمْلِكُ الأنفسَ، وكثيرًا ما كان يُقْسِمُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا القَسَمِ، "ما مِن كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيلِ اللهِ"، أي: ما مِن مُسلِمٍ يُصِيبُه جُرْحٌ أثناءَ القِتالِ، "إلَّا جاء يَومَ القيامةِ كهيئتِه حين كُلِمَ"، أي: إلَّا جَاء هذا الجُرْحُ الذي جُرِحَهُ في الدُّنيا، "لونُه لونُ دَمٍ وريحُه مِسْكٌ"، أي: تَفوحُ منه رائحةُ المِسْكُ، "والذي نَفْسُ محمدٍ بيدِه، لولا أنْ يَشُقَّ على المسلمين"، أي: لولا أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم يَخْشى المشقَّةَ والتَّعَبَ على المسلمين، "ما قَعْدتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزو في سبيلِ اللهِ أبدًا"، أي: ما تَركتُ غزوًا إلَّا وخَرَجتُ إليهِ، والسَّرِيَّةُ: القِطْعَةُ من الجيشِ يَبْلُغُ أقصاها أَرْبَعَ مائةٍ، "ولكن لا أَجِدُ سَعَةً فأَحْمِلهم"، أي: ليس عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الدَّوابِّ التي تَحمِلُ المسلمين في السَّفرِ، وتَعْبُرُ بهم إلى الغَزْوِ، "ولا يَجِدونَ سَعَةً"، أي: وكذلك هم لا يَملِكُون من الدَّوابِّ التي تُعِينُهم وتَحْمِلُهم؛ ليَكونوا مع رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، "ويَشُقُّ عليهم أنْ يتخلَّفوا عنِّي"، أي: ويعودُ عَجْزُهم عن اللَّحاقِ بي بالمشقَّة عليهم، سواءٌ اتَّبَعُوه وسارَوا معه مَشيًا على الأقدامِ، أو قَعَدوا وتَخلَّفُوا عنه حين يَخرُجُ، "والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيدِه، لوَدَدتُ أنْ أَغْزُوَ في سبيلِ اللهِ فأُقْتَل، ثُمَّ أَغْزُو فأُقْتَل، ثُمَّ أَغْزُو فأُقْتَل"، أي: أنْ يُبْعَثَ فيُقَتَل مرَّاتٍ مُتكرِّرةً عَديدةً؛ وذلك لِما في الجهادِ والغزوِ من عظيمِ الفَضْلِ والأَجْرِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الجِهادِ والخُروجِ في سبيلِ اللهِ تعالى.
وفيه: بيانُ ما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من شَفَقَةٍ ورَحْمةٍ بالمسلمين.( ).
صحيح مسلم
تَضمَّن اللهُ لِمن خرَج في سَبيلِه، لا يُخرِجُه إلَّا جِهادًا في سَبيلي، وإيمانًا بي، وتَصديقًا برُسُلي - فهو عليَّ ضامِنٌ أنْ أُدخِلَه الجنَّةَ، أو أُرجِعَه إلى مَسكَنِه الَّذي خرَج منه، نائلًا ما نال مِن أجْرٍ أو غَنيمَةٍ، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، ما مِن كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبيلِ اللهِ، إلَّا جاء يومَ القيامَةِ كهيئَتِه حين كُلِم، لَونُه لونُ دمٍ وريحُه مِسكٌ، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، لولا أن يَشُقَّ على المسلِمين، ما قعَدْتُ خِلافَ سَريَّةٍ تَغْزو في سَبيلِ اللهِ أبدًا، ولكنْ لا أجِدُ سَعةً فَأَحْمِلَهُمْ، ولا يَجِدون سَعةً، ويَشُقُّ عليهم أن يتَخلَّفوا عنِّي، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيَدِه، لوَدِدتُ أنِّي أغزُو في سبيلِ اللهِ فأُقتَلُ، ثمَّ أَغزُو فأُقتَلُ، ثمَّ أغزُو فأُقتَلُ.
شرح الحديث
الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ لَهُ في الإسلامِ مَنْزلةٌ عاليةٌ؛ لِمَا فيه مِن الفَضْلِ والأَجْرِ الذي يُفضَّلُ به على كثيرٍ من العِباداتِ، وفي هذا الحديثِ يَقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "تَضمَّنَ اللهُ"، أي: أَوْجَبَ اللهُ تعالى على نَفْسِه، "لِمَن خَرَج في سَبيلِهِ"، أي: يُريدُ الغزوَ والجِهادَ في سبيلِ اللهِ وضِدَّ أعداءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "لا يُخْرِجُهُ إلا جهادًا في سَبيلي"، أي: لا تكون نيَّتُه في الخُروجِ إلا للهِ عزَّ وجلَّ، "وإيمانًا بي، وتصديقًا بِرُسُلي"، أي: ومُؤمنًا برُسُلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وبما أُرْسِلوا به بما ذَكَرَهم سُبْحانَه في كتابِه وبيَّنتْه سُنَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فهو عليَّ ضَامِنٌ أنْ أُدْخِله الجَنَّةَ"، أي: كان جزاؤه عِنْد اللهِ تعالى أنْ يُدْخِلَه الجَنَّة، وذلك إنْ قُتِلَ في المَعْركةِ، "أو أَرْجَعَه إلى مَسْكنِه الذي خَرَج منه نائلًا ما نال من أَجْرٍ أو غَنيمةٍ"، أي: فإنَّ لم يُقْتَل جَعَل اللهُ عزَّ وجلَّ له أجرًا عظيمًا في الآخرةِ، ورَزَقَهُ الغنيمةَ في الدُّنيا، قال النبيُّ صلىَّ الله عليه وسلَّم: "والذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيدِه"، أي: يَحْلِفُ النبيُّ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلك لأنَّ اللهَ هو الذي يَمْلِكُ الأنفسَ، وكثيرًا ما كان يُقْسِمُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا القَسَمِ، "ما مِن كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيلِ اللهِ"، أي: ما مِن مُسلِمٍ يُصِيبُه جُرْحٌ أثناءَ القِتالِ، "إلَّا جاء يَومَ القيامةِ كهيئتِه حين كُلِمَ"، أي: إلَّا جَاء هذا الجُرْحُ الذي جُرِحَهُ في الدُّنيا، "لونُه لونُ دَمٍ وريحُه مِسْكٌ"، أي: تَفوحُ منه رائحةُ المِسْكُ، "والذي نَفْسُ محمدٍ بيدِه، لولا أنْ يَشُقَّ على المسلمين"، أي: لولا أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم يَخْشى المشقَّةَ والتَّعَبَ على المسلمين، "ما قَعْدتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزو في سبيلِ اللهِ أبدًا"، أي: ما تَركتُ غزوًا إلَّا وخَرَجتُ إليهِ، والسَّرِيَّةُ: القِطْعَةُ من الجيشِ يَبْلُغُ أقصاها أَرْبَعَ مائةٍ، "ولكن لا أَجِدُ سَعَةً فأَحْمِلهم"، أي: ليس عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الدَّوابِّ التي تَحمِلُ المسلمين في السَّفرِ، وتَعْبُرُ بهم إلى الغَزْوِ، "ولا يَجِدونَ سَعَةً"، أي: وكذلك هم لا يَملِكُون من الدَّوابِّ التي تُعِينُهم وتَحْمِلُهم؛ ليَكونوا مع رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، "ويَشُقُّ عليهم أنْ يتخلَّفوا عنِّي"، أي: ويعودُ عَجْزُهم عن اللَّحاقِ بي بالمشقَّة عليهم، سواءٌ اتَّبَعُوه وسارَوا معه مَشيًا على الأقدامِ، أو قَعَدوا وتَخلَّفُوا عنه حين يَخرُجُ، "والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيدِه، لوَدَدتُ أنْ أَغْزُوَ في سبيلِ اللهِ فأُقْتَل، ثُمَّ أَغْزُو فأُقْتَل، ثُمَّ أَغْزُو فأُقْتَل"، أي: أنْ يُبْعَثَ فيُقَتَل مرَّاتٍ مُتكرِّرةً عَديدةً؛ وذلك لِما في الجهادِ والغزوِ من عظيمِ الفَضْلِ والأَجْرِ. وفي الحديثِ: الحثُّ على الجِهادِ والخُروجِ في سبيلِ اللهِ تعالى. وفيه: بيانُ ما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من شَفَقَةٍ ورَحْمةٍ بالمسلمين.( ).