اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ» فأرسلَ إلى ابنِ رواحةَ فقالَ «اهجُهم» فَهجاهم فلم يُرضِ فأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ ثمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ فلمَّا دخلَ عليْهِ قالَ حسَّانُ قد آنَ لَكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ..."> اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ» فأرسلَ إلى ابنِ رواحةَ فقالَ «اهجُهم» فَهجاهم فلم يُرضِ فأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ ثمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ فلمَّا دخلَ عليْهِ قالَ حسَّانُ قد آنَ لَكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ..." /> اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ» فأرسلَ إلى ابنِ رواحةَ فقالَ «اهجُهم» فَهجاهم فلم يُرضِ فأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ ثمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ فلمَّا دخلَ عليْهِ قالَ حسَّانُ قد آنَ لَكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ..." />

اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ» فأرسلَ إلى ابنِ رواحةَ فقالَ «اهجُهم» فَهجاهم فلم يُرضِ فأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ ثمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ فلمَّا دخلَ عليْهِ قالَ حسَّانُ قد آنَ لَكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ الضَّاربِ بذنَبِهِ ثمَّ أدلعَ لسانَهُ فجعلَ يحرِّكُهُ فقالَ والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديمِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ «لا تعجل فإنَّ أبا بَكرٍ أعلَمُ قريشٍ بأنسابِها وإنَّ لي فيهم نسبًا حتَّى يلخِّصَ لَكَ نسبي» فأتاهُ حسَّانُ ثمَّ رجعَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ قد لَخَّصَ لي نسبَكَ والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لأسلَّنَّكَ منْهم كما تسلُّ الشَّعرةُ منَ العَجينِ. قالت عائشةُ فسمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ لحسَّانَ «إنَّ روحَ القدسِ لا يزالُ يؤيِّدُكَ ما نافحتَ عنِ اللَّهِ ورسولِه» وقالت سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ «هجاهم حسَّانُ فشَفى واشتَفى» قالَ حسَّانُ هجوتَ محمَّدًا فأجبتُ عنْهُ * وعندَ اللَّهِ في ذاكَ الجزاءُ . هجوتَ محمَّدًا برًّا تقيًّا* رسولَ اللَّهِ شيمتُهُ الوفاءُ . فإنَّ أبي ووالدَهُ وعرضي* لعرضِ محمَّدٍ منْكم وقاءُ . ثَكلتُ بنيَّتي إن لم تروْها* تثيرُ النَّقعَ من كَنفي كُداءِ . يبارينَ الأعنَّةَ مصعداتٍ * على أَكتافِها الأسلُ الظِّماءُ . تظلُّ جيادنا متمطِّراتٍ* تلطِّمُهنَّ بالخمرِ النِّساءُ . فإن أعرضتمو عنَّا اعتمرنا* وَكانَ الفتحُ وانْكشفَ الغطاءُ . وإلَّا فاصبروا لضرابِ يومٍ* يعزُّ اللَّهُ فيهِ من يشاءُ . وقالَ اللَّهُ قد أرسلتُ عبدًا * يقولُ الحقَّ ليسَ بِهِ خفاءُ . وقالَ اللَّهُ قد يسَّرتُ جندًا * همُ الأنصارُ عرضتُها اللِّقاءُ . لنا في كلِّ يومٍ من معدٍّ* سبابٌ أو قتالٌ أو هجاءُ. فمن يَهجو رسولَ اللَّهِ منْكم* ويمدحُهُ وينصرُهُ سواءُ . وجبريلٌ رسولُ اللَّهِ فينا * وروحُ القدسِ ليسَ لَهُ كفاءُ .

شرح الحديث

تَحكي عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ لِشعراءِ المسلمِينَ: اهْجُوا قريشًا، أي: مجازاةً لِمُهاجاتِهم؛ فإنَّه، أي: الهجْوُ، أشدُّ، أي: أصعبُ عليهم وأكثَرُ تأثيرًا فيهم مِن رَشق ِالنَّبلِ، أي: مِن رَميِ السَّهمِ إليهم.
فَأرسلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ابنِ رَواحةَ، فقال: اهجُهم فَهجَاهم فلم يَرْضَ فَأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالكٍ ثُمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ، فلمَّا دخلَ عليه قال حسَّانُ: قد آنَ لكم أنْ تُرسِلُوا إلى هذا الأسدَ "الضَّاربَ بِذَنَبِه"، أي: الَّذي يُحرِّكُ ذَنَبَه يمينًا وشمالًا، ثُمَّ "أدلعَ لسانَه"، أي: أَخرَجَه مِن فمِه، فَجعلَ يُحرِّكُه فقالَ: والَّذي بَعثَكَ بِالحقِّ "لَأَفْرينَّهم بِلساني فَرْيَ الأديمِ"، أي: لَأُمزِّقنَّ أعراضَهم وأُقطِّعُها كما يُقطَّعُ الأديمُ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَعجلْ فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قريشٍ بِأنسابِها وإنَّ لي فيهم نسَبًا حتَّى يُلَخِّصَ لكَ نَسبي؛ وذلك حتَّى لا يَسُبَّ نَسبَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن جهلٍ أو سُوءِ قصْدٍ؛ لأنَّه بينَه وبينَهم قرابةٌ وصلةٌ، فأتاه حسَّانُ ثُمَّ رجَعَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ قد لَخَّصَ لي نَسبَكَ، والَّذي بعثَكَ بِالحقِّ لَأسلَّنَّك منهم، أي: لَأخلِّصَنَّ نَسبَكَ مِن نَسبِهم بحيثُ يختصُّ الهجْوُ بهم دُونكَ، كما تُسلُّ الشَّعرةُ مِنَ العجينِ؛ لأنَّ الشَّعرةَ إذا سُلِّتْ منه لا يَعلَقُ بها منه شيءٌ لِنعومِتها، قالتْ عائشةُ رضِي اللهُ عنها: فسمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لِحسَّانَ: إنَّ رُوحَ القُدُسِ، أي: جبريلَ عليه السلام لا يزالُ يُؤيِّدُكَ ما "نَافحْتَ"، أي: دافعْتَ عَنِ اللهِ ورسولِه.
وتَحكي عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّها سمعَتْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: هَجاهِم حسَّانُ "فشَفَى"، أي: المؤمنينَ "واشْتَفى" هو بِنفسِه بما نالَ مِن أعراضِهم، قال حسَّانُ:
"هَجَوْتَ محمَّدًا فَأجبْتُ عنه"، يُوجِّهُ حسَّانُ كلامَه لِمَنْ هَجا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنَّه سيُجيبُ عنه.
"وعِندَ اللهِ في ذاك الجزاءُ"، أي: وأَجْرِي وثَوابي عند ربِّي.
"هَجوتَ محمَّدًا برًّا تَقيًّا"، أي: واسعَ الخيرِ والإحسانِ ولا يأتي إلَّا ما يُرضِي ربَّه.
"رسولَ اللهِ شيِمتُه الوفاءُ"، شِيمتُه، أي: خُلُقُه.
"فَإنَّ أبي وَوالدَه وعِرْضِي"، وعِرضُ الرَّجلِ حسَبُه وما يُحمدُ عليه إذا وُجِدَ أو يُذمُّ عليه إذا انْتُقِصَ.
"لِعِرضِ محمَّدٍ منكم وِقاءُ"، والوقاء ما وَقَيتَ به الشَّيءَ.
"ثَكلْتُ بُنَيَّتِي إنْ لم تَرَوْها"، أي: عَدِمتُ وفَقدْتُ الخيلَ، إن أنتم لم تَرَوْها:
"تُثيرُ النَّقْعَ مِن كَنَفَيْ كُداءَ"، أي: تُهيِّجُ الغبارَ وتَرفعُه مِن جَانِبَيْ كُداءَ، وهو طَريقُ الْحَجُونِ.
"يُبَارِينَ الأعِنَّةَ مُصْعداتٍ"، أي: يُسابِقْنَ اللِّجامَ مُتقدِّمَاتٍ إلى مكَّةَ، وفيه مبالغةٌ لِسرعَةِ الخيولِ وشِدَّةِ اندفاعِها.
"على أكتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ"، أكتافُ الخيولِ هو ما فوقَ اليدَينِ مِنَ الظَّهْرِ، أي: قُدَّامَ الظَّهْرِ، و"الأَسَلُ الظِّماءُ"، أي: الرِّماحُ الْمُتعطِّشَةُ لِدمائِهم.
"تَظلُّ جِيادُنا مُتمطِّراتٍ"، أي: تظلُّ خُيولُنا مُسرعاتٍ
"تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ"، التلطُّمُ: هو ضرْبُ الوجهِ، وبِالخُمُرِ: وهو الثَّوبُ الَّذي تُغطِّي به المرأةُ رأسَها، أي: إنَّ النِّساءَ يَضربْنَ هذه الخيولَ بِخُمرِهنَّ.
"فإنْ أَعرضَتُمو عنَّا اعتمَرْنا"، أي: إنْ لم تُقاتِلونا حينما نَأتي نَقصِدُ البيتَ الحرامَ لِلعمرةِ.
"وَكَانَ الفَتْحُ وَانْكَشَفَ الغطاءُ"، أي: فتحُ مكَّةَ العظيمُ.
"وإلَّا فَاصبِروا لِضرابِ يومٍ ** يُعزُّ اللهُ فيه مَن يشاءُ.
"وقال اللهُ قدْ أرسلْتُ عبدًا" وهو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
"يقولُ الحقَّ لَيسَ به خَفاءُ"، أي: يُبلِّغُ ما أَنزلَ إليه مِن ربِّه.
"وقال اللهُ قد يَسَّرْتُ جُندًا"، أي: هَيَّأتُهم وأَرْصدتُهم.
"همُ الأنصارُ عُرْضَتُها اللِّقاءُ"، أي: مَقصودُها ومطلوبُها القتالُ.
"لنا في كلِّ يومٍ مِن مَعَدٍّ"، أي: لنا نحن الأنصارِ مِن قريشٍ:
"سُبابٌ أو قتالُ أو هجاءُ".
فَمنْ يَهجو رَسولَ اللهِ منكم ** ويَمْدَحُه ويَنصرُه سواءُ.
وجبريلٌ رسولُ اللهِ فِينا ** ورُوحُ القُدسِ ليس له كِفاءُ"، أي: ليس له مُمَاثِلٌ ومُقاوِمٌ.
في الحديثِ: أنَّ الكافرَ المحارِبَ لا حُرمةَ لِعِرضِه، كما أنَّه لا حُرمَة لِمالِه، ولا لِدمِه، وأنَّه يَتعرَّضُ لِنكايتِهم بِكلِّ ما يُؤلِمُهم مِنَ القولِ والفعلِ.
وفيه: أنَّ مِنَ الدِّينِ والمروءةِ أنْ يُحرصَ الإنسانُ على سُمعةِ آبائِه وأجدادِه، وأنْ يغارَ على نَسبِه ويَحمِيَه مِن أنْ يَعيبَه أحدٌ.
وفيه: فضْلُ حسَّانَ بنِ ثابتٍ رضِي اللهُ عنه وقدرَتُه الشِّعْريَّةُ العجيبةُ على حُسنِ التَّصرُّفِ في المديحِ والهجاءِ

صحيح مسلم

اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ» فأرسلَ إلى ابنِ رواحةَ فقالَ «اهجُهم» فَهجاهم فلم يُرضِ فأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ ثمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ فلمَّا دخلَ عليْهِ قالَ حسَّانُ قد آنَ لَكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ الضَّاربِ بذنَبِهِ ثمَّ أدلعَ لسانَهُ فجعلَ يحرِّكُهُ فقالَ والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديمِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ «لا تعجل فإنَّ أبا بَكرٍ أعلَمُ قريشٍ بأنسابِها وإنَّ لي فيهم نسبًا حتَّى يلخِّصَ لَكَ نسبي» فأتاهُ حسَّانُ ثمَّ رجعَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ قد لَخَّصَ لي نسبَكَ والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لأسلَّنَّكَ منْهم كما تسلُّ الشَّعرةُ منَ العَجينِ. قالت عائشةُ فسمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ لحسَّانَ «إنَّ روحَ القدسِ لا يزالُ يؤيِّدُكَ ما نافحتَ عنِ اللَّهِ ورسولِه» وقالت سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ «هجاهم حسَّانُ فشَفى واشتَفى» قالَ حسَّانُ هجوتَ محمَّدًا فأجبتُ عنْهُ * وعندَ اللَّهِ في ذاكَ الجزاءُ . هجوتَ محمَّدًا برًّا تقيًّا* رسولَ اللَّهِ شيمتُهُ الوفاءُ . فإنَّ أبي ووالدَهُ وعرضي* لعرضِ محمَّدٍ منْكم وقاءُ . ثَكلتُ بنيَّتي إن لم تروْها* تثيرُ النَّقعَ من كَنفي كُداءِ . يبارينَ الأعنَّةَ مصعداتٍ * على أَكتافِها الأسلُ الظِّماءُ . تظلُّ جيادنا متمطِّراتٍ* تلطِّمُهنَّ بالخمرِ النِّساءُ . فإن أعرضتمو عنَّا اعتمرنا* وَكانَ الفتحُ وانْكشفَ الغطاءُ . وإلَّا فاصبروا لضرابِ يومٍ* يعزُّ اللَّهُ فيهِ من يشاءُ . وقالَ اللَّهُ قد أرسلتُ عبدًا * يقولُ الحقَّ ليسَ بِهِ خفاءُ . وقالَ اللَّهُ قد يسَّرتُ جندًا * همُ الأنصارُ عرضتُها اللِّقاءُ . لنا في كلِّ يومٍ من معدٍّ* سبابٌ أو قتالٌ أو هجاءُ. فمن يَهجو رسولَ اللَّهِ منْكم* ويمدحُهُ وينصرُهُ سواءُ . وجبريلٌ رسولُ اللَّهِ فينا * وروحُ القدسِ ليسَ لَهُ كفاءُ .

شرح الحديث

تَحكي عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ لِشعراءِ المسلمِينَ: اهْجُوا قريشًا، أي: مجازاةً لِمُهاجاتِهم؛ فإنَّه، أي: الهجْوُ، أشدُّ، أي: أصعبُ عليهم وأكثَرُ تأثيرًا فيهم مِن رَشق ِالنَّبلِ، أي: مِن رَميِ السَّهمِ إليهم. فَأرسلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ابنِ رَواحةَ، فقال: اهجُهم فَهجَاهم فلم يَرْضَ فَأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالكٍ ثُمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ، فلمَّا دخلَ عليه قال حسَّانُ: قد آنَ لكم أنْ تُرسِلُوا إلى هذا الأسدَ "الضَّاربَ بِذَنَبِه"، أي: الَّذي يُحرِّكُ ذَنَبَه يمينًا وشمالًا، ثُمَّ "أدلعَ لسانَه"، أي: أَخرَجَه مِن فمِه، فَجعلَ يُحرِّكُه فقالَ: والَّذي بَعثَكَ بِالحقِّ "لَأَفْرينَّهم بِلساني فَرْيَ الأديمِ"، أي: لَأُمزِّقنَّ أعراضَهم وأُقطِّعُها كما يُقطَّعُ الأديمُ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَعجلْ فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قريشٍ بِأنسابِها وإنَّ لي فيهم نسَبًا حتَّى يُلَخِّصَ لكَ نَسبي؛ وذلك حتَّى لا يَسُبَّ نَسبَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن جهلٍ أو سُوءِ قصْدٍ؛ لأنَّه بينَه وبينَهم قرابةٌ وصلةٌ، فأتاه حسَّانُ ثُمَّ رجَعَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ قد لَخَّصَ لي نَسبَكَ، والَّذي بعثَكَ بِالحقِّ لَأسلَّنَّك منهم، أي: لَأخلِّصَنَّ نَسبَكَ مِن نَسبِهم بحيثُ يختصُّ الهجْوُ بهم دُونكَ، كما تُسلُّ الشَّعرةُ مِنَ العجينِ؛ لأنَّ الشَّعرةَ إذا سُلِّتْ منه لا يَعلَقُ بها منه شيءٌ لِنعومِتها، قالتْ عائشةُ رضِي اللهُ عنها: فسمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لِحسَّانَ: إنَّ رُوحَ القُدُسِ، أي: جبريلَ عليه السلام لا يزالُ يُؤيِّدُكَ ما "نَافحْتَ"، أي: دافعْتَ عَنِ اللهِ ورسولِه. وتَحكي عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّها سمعَتْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: هَجاهِم حسَّانُ "فشَفَى"، أي: المؤمنينَ "واشْتَفى" هو بِنفسِه بما نالَ مِن أعراضِهم، قال حسَّانُ: "هَجَوْتَ محمَّدًا فَأجبْتُ عنه"، يُوجِّهُ حسَّانُ كلامَه لِمَنْ هَجا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنَّه سيُجيبُ عنه. "وعِندَ اللهِ في ذاك الجزاءُ"، أي: وأَجْرِي وثَوابي عند ربِّي. "هَجوتَ محمَّدًا برًّا تَقيًّا"، أي: واسعَ الخيرِ والإحسانِ ولا يأتي إلَّا ما يُرضِي ربَّه. "رسولَ اللهِ شيِمتُه الوفاءُ"، شِيمتُه، أي: خُلُقُه. "فَإنَّ أبي وَوالدَه وعِرْضِي"، وعِرضُ الرَّجلِ حسَبُه وما يُحمدُ عليه إذا وُجِدَ أو يُذمُّ عليه إذا انْتُقِصَ. "لِعِرضِ محمَّدٍ منكم وِقاءُ"، والوقاء ما وَقَيتَ به الشَّيءَ. "ثَكلْتُ بُنَيَّتِي إنْ لم تَرَوْها"، أي: عَدِمتُ وفَقدْتُ الخيلَ، إن أنتم لم تَرَوْها: "تُثيرُ النَّقْعَ مِن كَنَفَيْ كُداءَ"، أي: تُهيِّجُ الغبارَ وتَرفعُه مِن جَانِبَيْ كُداءَ، وهو طَريقُ الْحَجُونِ. "يُبَارِينَ الأعِنَّةَ مُصْعداتٍ"، أي: يُسابِقْنَ اللِّجامَ مُتقدِّمَاتٍ إلى مكَّةَ، وفيه مبالغةٌ لِسرعَةِ الخيولِ وشِدَّةِ اندفاعِها. "على أكتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ"، أكتافُ الخيولِ هو ما فوقَ اليدَينِ مِنَ الظَّهْرِ، أي: قُدَّامَ الظَّهْرِ، و"الأَسَلُ الظِّماءُ"، أي: الرِّماحُ الْمُتعطِّشَةُ لِدمائِهم. "تَظلُّ جِيادُنا مُتمطِّراتٍ"، أي: تظلُّ خُيولُنا مُسرعاتٍ "تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ"، التلطُّمُ: هو ضرْبُ الوجهِ، وبِالخُمُرِ: وهو الثَّوبُ الَّذي تُغطِّي به المرأةُ رأسَها، أي: إنَّ النِّساءَ يَضربْنَ هذه الخيولَ بِخُمرِهنَّ. "فإنْ أَعرضَتُمو عنَّا اعتمَرْنا"، أي: إنْ لم تُقاتِلونا حينما نَأتي نَقصِدُ البيتَ الحرامَ لِلعمرةِ. "وَكَانَ الفَتْحُ وَانْكَشَفَ الغطاءُ"، أي: فتحُ مكَّةَ العظيمُ. "وإلَّا فَاصبِروا لِضرابِ يومٍ ** يُعزُّ اللهُ فيه مَن يشاءُ. "وقال اللهُ قدْ أرسلْتُ عبدًا" وهو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. "يقولُ الحقَّ لَيسَ به خَفاءُ"، أي: يُبلِّغُ ما أَنزلَ إليه مِن ربِّه. "وقال اللهُ قد يَسَّرْتُ جُندًا"، أي: هَيَّأتُهم وأَرْصدتُهم. "همُ الأنصارُ عُرْضَتُها اللِّقاءُ"، أي: مَقصودُها ومطلوبُها القتالُ. "لنا في كلِّ يومٍ مِن مَعَدٍّ"، أي: لنا نحن الأنصارِ مِن قريشٍ: "سُبابٌ أو قتالُ أو هجاءُ". فَمنْ يَهجو رَسولَ اللهِ منكم ** ويَمْدَحُه ويَنصرُه سواءُ. وجبريلٌ رسولُ اللهِ فِينا ** ورُوحُ القُدسِ ليس له كِفاءُ"، أي: ليس له مُمَاثِلٌ ومُقاوِمٌ. في الحديثِ: أنَّ الكافرَ المحارِبَ لا حُرمةَ لِعِرضِه، كما أنَّه لا حُرمَة لِمالِه، ولا لِدمِه، وأنَّه يَتعرَّضُ لِنكايتِهم بِكلِّ ما يُؤلِمُهم مِنَ القولِ والفعلِ. وفيه: أنَّ مِنَ الدِّينِ والمروءةِ أنْ يُحرصَ الإنسانُ على سُمعةِ آبائِه وأجدادِه، وأنْ يغارَ على نَسبِه ويَحمِيَه مِن أنْ يَعيبَه أحدٌ. وفيه: فضْلُ حسَّانَ بنِ ثابتٍ رضِي اللهُ عنه وقدرَتُه الشِّعْريَّةُ العجيبةُ على حُسنِ التَّصرُّفِ في المديحِ والهجاءِ

صحيح مسلم
0 Comments 0 Shares 47 Views 0 Reviews