اسمه ونسبه
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو ﷺ مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قال رسول الله ﷺ: `إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم`، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1).وجَدُّ النبي ﷺ الخامس عبد مناف، كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، المطلب، عبد شمس، ونوفل.
فرسولنا ﷺ يرجع نسبه إلى هاشم، وهاشم هذا اسمه عمرو ولُقِّبَ بهاشم لأنه كان يهشم الخبز يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج.
وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء ورحلة الصيف ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سنّت إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وأولاد هاشم عبد المطلب، وأسد وعمرو ونضلة وعبد المطلب لقب كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لُقِّب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بين النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة، فذهب المطلب أخو هاشم إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم فغلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي ﷺ وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ:
الأولى: حفر زمزم، `لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا ؟ قال إلى الله قالت رضيت بالله قال فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء قالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا قال فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت أتت المروة ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا حتى أتمت سبعا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل فإذا هي بصوت فقالت أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل قال فقال بعقبه هكذا وغمز عقبه على الأرض قال فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر قال فقال أبو القاسم ﷺ: `لو تركته كان الماء ظاهرا`. قال فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها قال فمر ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذاك وقالوا ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هم بالماء فأتاهم فأخبرهم فأتوا إليها فقالوا يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك أو نسكن معك فبلغ ابنها فنكح فيهم امرأة قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي قال فجاء فسلم فقال أين إسماعيل؟ فقالت امرأته ذهب يصيد قال قولي له إذا جاء غير عتبة بابك فلما جاء أخبرته قال أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي. قال فجاء فقال أين إسماعيل ؟ فقالت امرأته ذهب يصيد فقالت ألا تنزل فتطعم وتشرب فقال وما طعامكم وما شرابكم ؟ قالت طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال فقال أبو القاسم ﷺ: `بركة بدعوة إبراهيم`. قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له. فقال يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتا. قال أطع ربك قال إنه قد أمرني أن تعينني عليه قال إذن أفعل أو كما قال قال فقاما فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. قال حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}`(1)، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذُكر أَنَّ عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودُلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أُمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، وقصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي:
بَنَى أبرهة الحبشي كنيسة عظيمة بصنعاء، لم يُر في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبن مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب(1)، فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة(2)، فلما أُخبر أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً.
وهنا لا بد من التنبيه على نقطة مهمة: لا شك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لَطَّخ الكنيسة بالعذرة، وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً فعزم بعد ذلك على هدم الكعبة.
وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكرٍ أعظم منه، بل لا بد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه.
غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف لَيَسِيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، وسار بستين ألفاً وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت، ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً.
فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى.
فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس(1) فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام.
وفيه يقول جرير في هجوه الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا أنه لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به.
فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟ وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب، قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له.
فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض.
فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟ قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألّا أهدمه.
فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً ثم صارت بعد ذلك مثلاً يضرب قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه.
فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي.
قال: أنت وذاك.
فقال أبرهة: ردوا عليه إبله.
فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم بقتال أبرهة.
فخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة)
وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة.
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله، وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل محموداً إلى مكة برك ولم يمش معهم وبالتالي لم تمش بقية الفيلة، فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري.
قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5:1] نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً.
وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم.
اسمه ونسبه
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو ﷺ مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قال رسول الله ﷺ: `إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم`، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1).وجَدُّ النبي ﷺ الخامس عبد مناف، كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، المطلب، عبد شمس، ونوفل.
فرسولنا ﷺ يرجع نسبه إلى هاشم، وهاشم هذا اسمه عمرو ولُقِّبَ بهاشم لأنه كان يهشم الخبز يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج.
وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء ورحلة الصيف ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سنّت إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وأولاد هاشم عبد المطلب، وأسد وعمرو ونضلة وعبد المطلب لقب كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لُقِّب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بين النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة، فذهب المطلب أخو هاشم إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم فغلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي ﷺ وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ:
الأولى: حفر زمزم، `لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا ؟ قال إلى الله قالت رضيت بالله قال فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء قالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا قال فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت أتت المروة ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها فقالت لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا حتى أتمت سبعا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل فإذا هي بصوت فقالت أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل قال فقال بعقبه هكذا وغمز عقبه على الأرض قال فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر قال فقال أبو القاسم ﷺ: `لو تركته كان الماء ظاهرا`. قال فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها قال فمر ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذاك وقالوا ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هم بالماء فأتاهم فأخبرهم فأتوا إليها فقالوا يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك أو نسكن معك فبلغ ابنها فنكح فيهم امرأة قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي قال فجاء فسلم فقال أين إسماعيل؟ فقالت امرأته ذهب يصيد قال قولي له إذا جاء غير عتبة بابك فلما جاء أخبرته قال أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي. قال فجاء فقال أين إسماعيل ؟ فقالت امرأته ذهب يصيد فقالت ألا تنزل فتطعم وتشرب فقال وما طعامكم وما شرابكم ؟ قالت طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال فقال أبو القاسم ﷺ: `بركة بدعوة إبراهيم`. قال ثم إنه بدا لإبراهيم فقال لأهله إني مطلع تركتي فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له. فقال يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتا. قال أطع ربك قال إنه قد أمرني أن تعينني عليه قال إذن أفعل أو كما قال قال فقاما فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. قال حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}`(1)، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذُكر أَنَّ عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودُلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أُمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، وقصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي:
بَنَى أبرهة الحبشي كنيسة عظيمة بصنعاء، لم يُر في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبن مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب(1)، فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة(2)، فلما أُخبر أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً.
وهنا لا بد من التنبيه على نقطة مهمة: لا شك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لَطَّخ الكنيسة بالعذرة، وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً فعزم بعد ذلك على هدم الكعبة.
وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكرٍ أعظم منه، بل لا بد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه.
غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف لَيَسِيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، وسار بستين ألفاً وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت، ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً.
فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى.
فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس(1) فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام.
وفيه يقول جرير في هجوه الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا أنه لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به.
فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟ وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب، قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له.
فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض.
فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟ قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألّا أهدمه.
فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً ثم صارت بعد ذلك مثلاً يضرب قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه.
فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي.
قال: أنت وذاك.
فقال أبرهة: ردوا عليه إبله.
فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم بقتال أبرهة.
فخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة)
وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة.
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله، وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل محموداً إلى مكة برك ولم يمش معهم وبالتالي لم تمش بقية الفيلة، فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري.
قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5:1] نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً.
وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم.
0 Comments
0 Shares
217 Views
0 Reviews