أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا . وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ]..."> أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا . وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ]..." /> أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا . وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ]..." />

أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا . وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ] وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ 2 / البقرة / الآية 172 ] . ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ . أشعثَ أغبَرَ . يمدُّ يدَيه إلى السماءِ . يا ربِّ ! يا ربِّ ! ومطعمُه حرامٌ ، ومشربُه حرامٌ ، وملبَسُه حرامٌ ، وغُذِيَ بالحرام . فأَنَّى يُستجابُ لذلك ؟

شرح الحديث

هذا الحديثُ أحدُ الأحاديثِ الَّتِي هي قواعدُ الإسلامِ ومَبانِي الأحكامِ، وفيه يُعلِّم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّتَه ما يتعلَّق بِطِيبِ المَشْرَبِ والمَطعمِ والمَلبسِ، وأسبابَ استجابةِ الدُّعاءِ، وأنَّ الله طيِّبٌ ومُنَزَّهٌ عن النَّقائِص، ويُحِبُّ الحلالَ الطيِّبَ.
والمقصودُ من قوله: "إنَّ اللهَ طيِّب"، أي: مُنَزَّهٌ عن النَّقائِصِ والعُيوبِ، ومُتَّصِفٌ بالكَمالاتِ من النُّعوتِ، "لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا"، أي: لا يَقبَلُ مِن الصَّدقاتِ ونحوِها من الأعمالِ إلَّا ما كان مُنَزَّهًا عن العُيوبِ الشَّرعيَّةِ والأغراضِ الفاسدةِ في النِّيَّةِ.
وقولُه "وإنَّ اللهَ أمَرَ المؤمنين بما أمَر به المرسَلين" المرادُ به: أنه أمَرَهم بأكْلِ الحلالِ، وعمل الصَّالحاتِ، فقال اللهُ في قُرآنِه مُبَيِّنًا ما أمَرَ به المُرسَلِينَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: ]، وهذا النِّداء خِطابٌ لجميعِ الأنبياءِ لا على أنَّهم خُوطِبوا بذلك دَفعةً واحدةً؛ لأنَّهم أُرسِلوا في أَزمِنَةٍ مختلفةٍ، بل على أنَّ كلًّا منهم خُوطِب به في زمانِه، وفيه تنبيهٌ على أنَّ إباحةَ الطَّيِّباتِ شَرْعٌ قديمٌ، واعتراضٌ على الرَّهبانِيَّةِ ورَفْضِهم اللَّذَّاتِ، وإيماءٌ إلى أنَّ أكلَ الطَّيِّباتِ مُوَرِّثٌ للعملِ الصَّالِحِ، وهو ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى.
وقال اللهُ تعالى مُبيِّنًا ما أمَرَ به المؤمنِينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ]، أي: يا أيُّها الَّذِينَ آمنوا كلُوا مِن حَلالاتِه أو مُستَلَذَّاتِه.
"ثُمَّ ذَكَر"، أي: ذَكَرَ الرَّسُولُ صلَّى الله عليه وسلَّم "الرَّجُلَ يُطِيل السَّفَرَ"، أي: يُطِيلُ زَمانَ السَّفَرِ ويُكثِر مُباشَرَةَ الرِّحلةَ مُسافِرًا في العباداتِ، كالحَجِّ والعُمْرَةِ والجِهادِ وتَعلُّمِ العِلم، وسائِرِ وُجوه الخَيْرَاتِ "أَشْعَثَ، أَغْبَرَ"، أي: مِن كثرةِ السَّفرِ وشدَّةِ عَنائِه يَشْعَثُ شَعَرُه ويَتفرَّق؛ لعدمِ تَهذيبِه أو تَمشيطِه، ويَغْبَرُّ لونُه مِن أثَرِ التُّرابِ والغُبارِ، ومع الشَّعَثِ والغُبْرَةِ والتَّعَبِ والنَّصَبِ "يَمُدُّ يدَيْه إلى السَّماءِ"، أي: يَرفَعُ يدَيْه بالدُّعاء إلى السَّماءِ، ومَدُّ اليدَيْن إلى السَّماءِ مِن أسبابِ إجابة الدُّعاءِ، قائلًا مُكرِّرًا: "يا رَبِّ! يا رَبِّ!" وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الدُّعاءَ بلفظِ الرَّبِّ مُؤثِّرٌ في الإجابةِ، "ومَطْعَمُه حَرَامٌ، ومَشْرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ"، أي: طعامُه وشرابُه وملابِسُه من كَسْبٍ حرامٍ، وغُذِيَ مِن صِغَرِه إلى كِبَرِه بالحرامِ.
وكلُّ هذه الحالاتِ مِن ذِكْر مَطعَمِه ومَشرَبِه وملبسِه الحرامِ، حالاتٌ دالَّةٌ على استِحقاقِ الدَّاعِي عدمَ الإجابةِ، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "فأَنَّى"، أي: فكيف؟! أو: فمِن أين؟! والاستِفهامُ للاستِبعادِ مِن أن "يُستَجاب لذلك"، أي: لذلك الرَّجُلِ، أو: لِأَجْلِ ما ذُكِرَ مِن حالِه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإنفاقِ مِن الحلالِ، والنهيُ عن الإنفاقِ من غيرِه.
وفيه: أنَّ المشروبَ والمأكولَ والملبوسَ ونحوَ ذلك ينبغي أن يكونَ حلالًا خالصًا لا شُبهةَ فيه.

صحيح مسلم

أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا . وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ] وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ 2 / البقرة / الآية 172 ] . ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ . أشعثَ أغبَرَ . يمدُّ يدَيه إلى السماءِ . يا ربِّ ! يا ربِّ ! ومطعمُه حرامٌ ، ومشربُه حرامٌ ، وملبَسُه حرامٌ ، وغُذِيَ بالحرام . فأَنَّى يُستجابُ لذلك ؟

شرح الحديث

هذا الحديثُ أحدُ الأحاديثِ الَّتِي هي قواعدُ الإسلامِ ومَبانِي الأحكامِ، وفيه يُعلِّم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّتَه ما يتعلَّق بِطِيبِ المَشْرَبِ والمَطعمِ والمَلبسِ، وأسبابَ استجابةِ الدُّعاءِ، وأنَّ الله طيِّبٌ ومُنَزَّهٌ عن النَّقائِص، ويُحِبُّ الحلالَ الطيِّبَ. والمقصودُ من قوله: "إنَّ اللهَ طيِّب"، أي: مُنَزَّهٌ عن النَّقائِصِ والعُيوبِ، ومُتَّصِفٌ بالكَمالاتِ من النُّعوتِ، "لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا"، أي: لا يَقبَلُ مِن الصَّدقاتِ ونحوِها من الأعمالِ إلَّا ما كان مُنَزَّهًا عن العُيوبِ الشَّرعيَّةِ والأغراضِ الفاسدةِ في النِّيَّةِ. وقولُه "وإنَّ اللهَ أمَرَ المؤمنين بما أمَر به المرسَلين" المرادُ به: أنه أمَرَهم بأكْلِ الحلالِ، وعمل الصَّالحاتِ، فقال اللهُ في قُرآنِه مُبَيِّنًا ما أمَرَ به المُرسَلِينَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: ]، وهذا النِّداء خِطابٌ لجميعِ الأنبياءِ لا على أنَّهم خُوطِبوا بذلك دَفعةً واحدةً؛ لأنَّهم أُرسِلوا في أَزمِنَةٍ مختلفةٍ، بل على أنَّ كلًّا منهم خُوطِب به في زمانِه، وفيه تنبيهٌ على أنَّ إباحةَ الطَّيِّباتِ شَرْعٌ قديمٌ، واعتراضٌ على الرَّهبانِيَّةِ ورَفْضِهم اللَّذَّاتِ، وإيماءٌ إلى أنَّ أكلَ الطَّيِّباتِ مُوَرِّثٌ للعملِ الصَّالِحِ، وهو ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى. وقال اللهُ تعالى مُبيِّنًا ما أمَرَ به المؤمنِينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ]، أي: يا أيُّها الَّذِينَ آمنوا كلُوا مِن حَلالاتِه أو مُستَلَذَّاتِه. "ثُمَّ ذَكَر"، أي: ذَكَرَ الرَّسُولُ صلَّى الله عليه وسلَّم "الرَّجُلَ يُطِيل السَّفَرَ"، أي: يُطِيلُ زَمانَ السَّفَرِ ويُكثِر مُباشَرَةَ الرِّحلةَ مُسافِرًا في العباداتِ، كالحَجِّ والعُمْرَةِ والجِهادِ وتَعلُّمِ العِلم، وسائِرِ وُجوه الخَيْرَاتِ "أَشْعَثَ، أَغْبَرَ"، أي: مِن كثرةِ السَّفرِ وشدَّةِ عَنائِه يَشْعَثُ شَعَرُه ويَتفرَّق؛ لعدمِ تَهذيبِه أو تَمشيطِه، ويَغْبَرُّ لونُه مِن أثَرِ التُّرابِ والغُبارِ، ومع الشَّعَثِ والغُبْرَةِ والتَّعَبِ والنَّصَبِ "يَمُدُّ يدَيْه إلى السَّماءِ"، أي: يَرفَعُ يدَيْه بالدُّعاء إلى السَّماءِ، ومَدُّ اليدَيْن إلى السَّماءِ مِن أسبابِ إجابة الدُّعاءِ، قائلًا مُكرِّرًا: "يا رَبِّ! يا رَبِّ!" وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الدُّعاءَ بلفظِ الرَّبِّ مُؤثِّرٌ في الإجابةِ، "ومَطْعَمُه حَرَامٌ، ومَشْرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ"، أي: طعامُه وشرابُه وملابِسُه من كَسْبٍ حرامٍ، وغُذِيَ مِن صِغَرِه إلى كِبَرِه بالحرامِ. وكلُّ هذه الحالاتِ مِن ذِكْر مَطعَمِه ومَشرَبِه وملبسِه الحرامِ، حالاتٌ دالَّةٌ على استِحقاقِ الدَّاعِي عدمَ الإجابةِ، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "فأَنَّى"، أي: فكيف؟! أو: فمِن أين؟! والاستِفهامُ للاستِبعادِ مِن أن "يُستَجاب لذلك"، أي: لذلك الرَّجُلِ، أو: لِأَجْلِ ما ذُكِرَ مِن حالِه. وفي الحديثِ: الحثُّ على الإنفاقِ مِن الحلالِ، والنهيُ عن الإنفاقِ من غيرِه. وفيه: أنَّ المشروبَ والمأكولَ والملبوسَ ونحوَ ذلك ينبغي أن يكونَ حلالًا خالصًا لا شُبهةَ فيه.

صحيح مسلم
0 Comments 0 Shares 49 Views 0 Reviews