• أنَّ رجلًا قال : واللهِ ! لا يغفِرُ اللهُ لفلانٍ . وإنَّ اللهَ تعالَى قال : من ذا الَّذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفرَ لفلانٍ . فإنِّي قد غفرتُ لفلانٍ? وأحبطتُ عملَك . أو كما قال .

    شرح الحديث

    في هذا الحديثِ يَحكي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ رَجلًا قال: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفلانٍ؛ قالَه استِكثارًا، أو استِكبارًا لذَنبِه، أو تَعظيمًا لنَفْسِه حينَ جَنى عَليه، فَقال ربُّ العزَّةِ: مَن ذا الَّذي يَتأَلَّى عَليَّ؟! أي: يَتحَكَّمُ عليَّ ويَحلِفُ باسمِي أنَّي لَا أَغفِرُ لفُلانٍ؟! فإِنِّي قدْ غَفرتُ لفُلانٍ؛ وأَحبطتُ عَملَك، أي: أَذهبتُه سُدًى وأَبطلْتُه؛ وذلكَ لأنَّه قالَ ما قالَ إِعجابًا بعَملِه، وإِعجابًا بنَفسِه، واستِكبارًا عَلى عِبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
    في الحديثِ: النَّهيُ عنِ الكِبْرِ والعُجْبِ.
    وفيهِ: النَّهيُ عنِ احتِقارِ أَحدٍ منَ المُسلمينَ.

    صحيح مسلم

    أنَّ رجلًا قال : واللهِ ! لا يغفِرُ اللهُ لفلانٍ . وإنَّ اللهَ تعالَى قال : من ذا الَّذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفرَ لفلانٍ . فإنِّي قد غفرتُ لفلانٍ? وأحبطتُ عملَك . أو كما قال .

    شرح الحديث

    في هذا الحديثِ يَحكي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ رَجلًا قال: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفلانٍ؛ قالَه استِكثارًا، أو استِكبارًا لذَنبِه، أو تَعظيمًا لنَفْسِه حينَ جَنى عَليه، فَقال ربُّ العزَّةِ: مَن ذا الَّذي يَتأَلَّى عَليَّ؟! أي: يَتحَكَّمُ عليَّ ويَحلِفُ باسمِي أنَّي لَا أَغفِرُ لفُلانٍ؟! فإِنِّي قدْ غَفرتُ لفُلانٍ؛ وأَحبطتُ عَملَك، أي: أَذهبتُه سُدًى وأَبطلْتُه؛ وذلكَ لأنَّه قالَ ما قالَ إِعجابًا بعَملِه، وإِعجابًا بنَفسِه، واستِكبارًا عَلى عِبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ. في الحديثِ: النَّهيُ عنِ الكِبْرِ والعُجْبِ. وفيهِ: النَّهيُ عنِ احتِقارِ أَحدٍ منَ المُسلمينَ.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 39 مشاهدة 0 معاينة
  • رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبوابِ ، لو أقسم على اللهِ لأبرَّه

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه، رُبَّ "أَشعثَ" أي: رَجلٍ مُلبَّدِ الشَّعرِ مُغبَرٍّ غَيرِ مَدهونٍ مُتفرِّقِ شَعرِ رَأسِه؛ "مَدفوعٍ بالأَبوابِ"، أي: مَمنوعٍ مِنها باليَدِ أوِ اللِّسانِ، والمعنى أنَّه لا يُدخِلُه أَحدٌ في بَيتِه لَو فُرِضَ وُقوفُه عَلى بابِه مِن غايةِ حَقارتِه في نَظرِ النَّاسِ؛ "لَو أَقسَمَ عَلى اللهِ"، أي: عَلى فِعلِه سُبحانَه بأنْ حَلَفَ أنَّ اللهَ يَفعَلُ كَذا أو لا يَفعَلُه؛ لأَبَرَّه، أي: لصَدَقَه وصدَقَ يَمينَه، وأَبرَّه فيها بأنْ يأتيَ بِما يُوافقُه.

    صحيح مسلم

    رُبَّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبوابِ ، لو أقسم على اللهِ لأبرَّه

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه، رُبَّ "أَشعثَ" أي: رَجلٍ مُلبَّدِ الشَّعرِ مُغبَرٍّ غَيرِ مَدهونٍ مُتفرِّقِ شَعرِ رَأسِه؛ "مَدفوعٍ بالأَبوابِ"، أي: مَمنوعٍ مِنها باليَدِ أوِ اللِّسانِ، والمعنى أنَّه لا يُدخِلُه أَحدٌ في بَيتِه لَو فُرِضَ وُقوفُه عَلى بابِه مِن غايةِ حَقارتِه في نَظرِ النَّاسِ؛ "لَو أَقسَمَ عَلى اللهِ"، أي: عَلى فِعلِه سُبحانَه بأنْ حَلَفَ أنَّ اللهَ يَفعَلُ كَذا أو لا يَفعَلُه؛ لأَبَرَّه، أي: لصَدَقَه وصدَقَ يَمينَه، وأَبرَّه فيها بأنْ يأتيَ بِما يُوافقُه.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 39 مشاهدة 0 معاينة
  • إذا قال الرَّجلُ : هلك النَّاسُ ، فهو أهلكُهم

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ أنَّ الرَّجلَ إِذا قال: هَلكَ النَّاسُ، أيِ: استَوجَبوا النَّارَ بِسوءِ أَعمالِهم؛ فهوَ أَهلَكُهم، رُوِيَ: أَهلَكُهم عَلى وَجهينِ مَشهورَين؛ ضَمُّ الكافِ وفَتحُها، ورِوايةُ الضَّمِّ أَشهَرُ ومَعناها: أَكثَرُهم هَلاكًا، وهوَ الرَّجلُ يُولعُ بعيبِ النَّاسِ، ويَذهبُ بنَفسِه عُجبًا، ويَرى له فَضلًا عَليهِم. ورِوايةُ الَفتْحِ مَعناها: هوَ جَعَلَهم هالِكينَ لا أَنَّهم هَلَكوا في الحَقيقةِ.
    في الحديثِ: النَّهيُ عنِ العُجبِ والكِبْرِ.
    وفيهِ: النَّهيُ عنِ القُنوطِ مِن رَحمةِ اللهِ.

    صحيح مسلم

    إذا قال الرَّجلُ : هلك النَّاسُ ، فهو أهلكُهم

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ أنَّ الرَّجلَ إِذا قال: هَلكَ النَّاسُ، أيِ: استَوجَبوا النَّارَ بِسوءِ أَعمالِهم؛ فهوَ أَهلَكُهم، رُوِيَ: أَهلَكُهم عَلى وَجهينِ مَشهورَين؛ ضَمُّ الكافِ وفَتحُها، ورِوايةُ الضَّمِّ أَشهَرُ ومَعناها: أَكثَرُهم هَلاكًا، وهوَ الرَّجلُ يُولعُ بعيبِ النَّاسِ، ويَذهبُ بنَفسِه عُجبًا، ويَرى له فَضلًا عَليهِم. ورِوايةُ الَفتْحِ مَعناها: هوَ جَعَلَهم هالِكينَ لا أَنَّهم هَلَكوا في الحَقيقةِ. في الحديثِ: النَّهيُ عنِ العُجبِ والكِبْرِ. وفيهِ: النَّهيُ عنِ القُنوطِ مِن رَحمةِ اللهِ.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 36 مشاهدة 0 معاينة
  • يا أبا ذرٍّ ! إذا طبَخت مرَقةً ، فأكثِرْ ماءَها ، وتعاهَدْ جِيرانَك

    شرح الحديث

    طَلَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن أَبي ذرٍّ أنَّه إذا طَبَخَ مَرَقةً فلْيُكثرْ مِن مائِها، أي: عَلى المُعتادِ لنَفسِه؛ وذلكَ ليُكثرَ الائتِدامَ بِها؛ وليَتعاهدَ جِيرانَه، أي: يَتفقَّدَهم بزِيادةِ طَعامِه.
    في الحديثِ: الحَضُّ عَلى تَعاهُدِ الجِيرانِ وَلو بالقَليلِ، لِمَا يَترتَّبُ عَلى ذلكَ منَ المَحبَّةِ والأُلفَةِ، ولِمَا يَحصُلُ بِه منَ المنفَعَةِ ودَفعِ المَفسدَةِ.

    صحيح مسلم

    يا أبا ذرٍّ ! إذا طبَخت مرَقةً ، فأكثِرْ ماءَها ، وتعاهَدْ جِيرانَك

    شرح الحديث

    طَلَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن أَبي ذرٍّ أنَّه إذا طَبَخَ مَرَقةً فلْيُكثرْ مِن مائِها، أي: عَلى المُعتادِ لنَفسِه؛ وذلكَ ليُكثرَ الائتِدامَ بِها؛ وليَتعاهدَ جِيرانَه، أي: يَتفقَّدَهم بزِيادةِ طَعامِه. في الحديثِ: الحَضُّ عَلى تَعاهُدِ الجِيرانِ وَلو بالقَليلِ، لِمَا يَترتَّبُ عَلى ذلكَ منَ المَحبَّةِ والأُلفَةِ، ولِمَا يَحصُلُ بِه منَ المنفَعَةِ ودَفعِ المَفسدَةِ.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 41 مشاهدة 0 معاينة
  • لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا ، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المسلِمَ لا يَجبُ عَليهِ أنْ يَحقِرَ، أي: يُقلِّلَ منَ المعروفِ، أي: مِن فِعلِ الخيرِ؛ شيئًا ولَو أنْ يَلقَى أَخاهُ المُسلمَ بوَجهٍ "طَلْقٍ"، أي: ضاحكٍ مُستبشِرٍ، وليسَ بوَجهٍ عَبوسٍ مُكفهِرٍّ.
    في الحديثِ: أنَّ مِن هَديِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَلاقةَ الوَجهِ عندَ اللِّقاءِ.
    وفيهِ: الحثُّ على فِعلِ المعروفِ قليلًا كانَ أو كثيرًا، بالمالِ، أوِ الخُلُقِ الحَسنِ.
    وَفيهِ: أنَّ مِن هَديهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلَ المَعروفِ وإنْ قَلَّ.

    صحيح مسلم

    لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا ، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المسلِمَ لا يَجبُ عَليهِ أنْ يَحقِرَ، أي: يُقلِّلَ منَ المعروفِ، أي: مِن فِعلِ الخيرِ؛ شيئًا ولَو أنْ يَلقَى أَخاهُ المُسلمَ بوَجهٍ "طَلْقٍ"، أي: ضاحكٍ مُستبشِرٍ، وليسَ بوَجهٍ عَبوسٍ مُكفهِرٍّ. في الحديثِ: أنَّ مِن هَديِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَلاقةَ الوَجهِ عندَ اللِّقاءِ. وفيهِ: الحثُّ على فِعلِ المعروفِ قليلًا كانَ أو كثيرًا، بالمالِ، أوِ الخُلُقِ الحَسنِ. وَفيهِ: أنَّ مِن هَديهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلَ المَعروفِ وإنْ قَلَّ.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 40 مشاهدة 0 معاينة
  • من عال جاريتَيْن حتَّى تبلغا ، جاء يومَ القيامةِ أنا وهو . وضمَّ أصابِعَه .

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مَن "عالَ جارِيتينِ"، أي: أَنفَقَ عَليهِما وقامَ بَمُؤنَتِهما، والمُرادُ: بِنتَانِ له أو أَعمُّ مِن ذلكَ؛ "حتَّى تَبلُغا"، أي: تُدرِكا البُلوغَ أو تَصِلَا إلى زَوجَيهِما؛ فإنَّه يَأتي يَومَ القيامةِ هوَ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: مُصاحبًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وضَمَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَصابِعَه: أي: إصبَعَيْه.
    في الحديثِ: الثَّوابُ العَظيمُ لِمَن قامَ على البَناتِ بالمَؤُونةِ والتَّربيةِ حتَّى يَكْبَرْنَ أو يَتزوَّجْن.
    وفيه: فَضلُ الإِحسانِ إِلى البَناتِ.
    وفيهِ: شَرفُ الإنفاقِ عَلى العيالِ ولا سيَّما البَناتُ.

    صحيح مسلم

    من عال جاريتَيْن حتَّى تبلغا ، جاء يومَ القيامةِ أنا وهو . وضمَّ أصابِعَه .

    شرح الحديث

    يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مَن "عالَ جارِيتينِ"، أي: أَنفَقَ عَليهِما وقامَ بَمُؤنَتِهما، والمُرادُ: بِنتَانِ له أو أَعمُّ مِن ذلكَ؛ "حتَّى تَبلُغا"، أي: تُدرِكا البُلوغَ أو تَصِلَا إلى زَوجَيهِما؛ فإنَّه يَأتي يَومَ القيامةِ هوَ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: مُصاحبًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وضَمَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَصابِعَه: أي: إصبَعَيْه. في الحديثِ: الثَّوابُ العَظيمُ لِمَن قامَ على البَناتِ بالمَؤُونةِ والتَّربيةِ حتَّى يَكْبَرْنَ أو يَتزوَّجْن. وفيه: فَضلُ الإِحسانِ إِلى البَناتِ. وفيهِ: شَرفُ الإنفاقِ عَلى العيالِ ولا سيَّما البَناتُ.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 37 مشاهدة 0 معاينة
  • النَّاسُ معادِنُ كمعادنِ الفضَّةِ والذَّهبِ . خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فقِهوا . والأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ . فما تعارف منها ائْتَلف . وما تناكَر منها اخْتَلف

    شرح الحديث

    النَّاسُ مَعادِنُ، أي: أُصولٌ للخَيرِ والشَّرِّ بِحَسَبِ ما جَعلَهمُ اللهُ مُستعدِّينَ لَه؛ كمَعادنِ الفِضَّةِ والذَّهبِ، أي: في اشتِمالِ المَعدِنِ عَلى الجَواهرِ المُختلفَةِ نَفاسةً وخِسَّةً، وكُلُّ مَعدِنٍ يَخرُجُ مِنه ما في أَصلِه، وكَذا كُلُّ إِنسانٍ يَظهَرُ مِنه ما في أَصلِه مِن شَرفٍ أو خِسَّةٍ. خِيارُهم في الجاهليَّةِ، أي: أَشرافُهم فيها، وهيَ ما قَبلَ الإِسلامِ؛ سُمُّوا بِه لكَثرةِ جَهالاتِهم؛ خِيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا، أي: أَسْلَموا وتَفقَّهوا في الدِّين. والأَرواحُ، أي: رُوحُ الإِنسانِ، وهيَ الَّتي خُلِقت قبلَ الجَسدِ؛ "جُنودٌ مُجنَّدةٌ"، أي: جُموعٌ مُجمَّعةٌ؛ فَما تَعارفَ، أي: في عالَمِ الأَرواحِ مِنها ووافقَ في الأَخلاقِ والصِّفاتِ؛ "ائتلَفَ"، أي: وَقعَ بَينَها الأُلْفةُ والاجتِماعُ في هَذِه الدُّنيا وإِن تَباعدَا؛ وَما "تَناكرَ"، أي: تَنافَرَ في عالَمِ الأَرواحِ إِذا ابتَعدَت وَلم تَتعارَفْ؛ مِنها اختَلَفَ: في هَذه الدُّنيا وإِن تَقارَبا في هَذه الدُّنيا. ويَحتمِلُ أنْ يَكونَ إِشارةً إِلى مَعنَى التَّشاكُلِ في الخَيرِ والشَّرِّ والصَّلاحِ والفَسادِ , وأنَّ الخيِّرَ مِن النَّاسِ يَحِنُّ إلى شَكلِه، والشِّرِّيرُ نَظيرُ ذلكَ يَميلُ إِلى نَظيرِه، فتَعارفُ الأَرواحِ يَقعُ بِحَسبِ الطِّباعِ الَّتي جُبِلت عَليها مِن خيرٍ وشرٍّ , فإِذا اتَّفقتْ تَعارَفت , وإِذا اختَلَفت تَناكَرَت .
    في الحديثِ: بَيانُ مَعادِنِ النَّاسِ وأَفضَلِهم.
    وفيهِ: ثُبوتُ أنَّ الأَرواحِ خُلِقَت قبلَ الأَجسادِ.
    وفيهِ: أنَّ الإِنسانَ إِذا وَجَدَ مِن نَفسِه نُفرةً عنْ ذي فَضلٍ وصَلاحٍ، فَعليهِ أنْ يَبحثَ عنِ المُقتضي لذلكَ؛ لِيسعَى في إِزالتِه فيَتخلَّصَ مِنَ الوَصفِ المَذمومِ، وكَذا عَكسُه.

    صحيح مسلم

    النَّاسُ معادِنُ كمعادنِ الفضَّةِ والذَّهبِ . خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فقِهوا . والأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ . فما تعارف منها ائْتَلف . وما تناكَر منها اخْتَلف

    شرح الحديث

    النَّاسُ مَعادِنُ، أي: أُصولٌ للخَيرِ والشَّرِّ بِحَسَبِ ما جَعلَهمُ اللهُ مُستعدِّينَ لَه؛ كمَعادنِ الفِضَّةِ والذَّهبِ، أي: في اشتِمالِ المَعدِنِ عَلى الجَواهرِ المُختلفَةِ نَفاسةً وخِسَّةً، وكُلُّ مَعدِنٍ يَخرُجُ مِنه ما في أَصلِه، وكَذا كُلُّ إِنسانٍ يَظهَرُ مِنه ما في أَصلِه مِن شَرفٍ أو خِسَّةٍ. خِيارُهم في الجاهليَّةِ، أي: أَشرافُهم فيها، وهيَ ما قَبلَ الإِسلامِ؛ سُمُّوا بِه لكَثرةِ جَهالاتِهم؛ خِيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا، أي: أَسْلَموا وتَفقَّهوا في الدِّين. والأَرواحُ، أي: رُوحُ الإِنسانِ، وهيَ الَّتي خُلِقت قبلَ الجَسدِ؛ "جُنودٌ مُجنَّدةٌ"، أي: جُموعٌ مُجمَّعةٌ؛ فَما تَعارفَ، أي: في عالَمِ الأَرواحِ مِنها ووافقَ في الأَخلاقِ والصِّفاتِ؛ "ائتلَفَ"، أي: وَقعَ بَينَها الأُلْفةُ والاجتِماعُ في هَذِه الدُّنيا وإِن تَباعدَا؛ وَما "تَناكرَ"، أي: تَنافَرَ في عالَمِ الأَرواحِ إِذا ابتَعدَت وَلم تَتعارَفْ؛ مِنها اختَلَفَ: في هَذه الدُّنيا وإِن تَقارَبا في هَذه الدُّنيا. ويَحتمِلُ أنْ يَكونَ إِشارةً إِلى مَعنَى التَّشاكُلِ في الخَيرِ والشَّرِّ والصَّلاحِ والفَسادِ , وأنَّ الخيِّرَ مِن النَّاسِ يَحِنُّ إلى شَكلِه، والشِّرِّيرُ نَظيرُ ذلكَ يَميلُ إِلى نَظيرِه، فتَعارفُ الأَرواحِ يَقعُ بِحَسبِ الطِّباعِ الَّتي جُبِلت عَليها مِن خيرٍ وشرٍّ , فإِذا اتَّفقتْ تَعارَفت , وإِذا اختَلَفت تَناكَرَت . في الحديثِ: بَيانُ مَعادِنِ النَّاسِ وأَفضَلِهم. وفيهِ: ثُبوتُ أنَّ الأَرواحِ خُلِقَت قبلَ الأَجسادِ. وفيهِ: أنَّ الإِنسانَ إِذا وَجَدَ مِن نَفسِه نُفرةً عنْ ذي فَضلٍ وصَلاحٍ، فَعليهِ أنْ يَبحثَ عنِ المُقتضي لذلكَ؛ لِيسعَى في إِزالتِه فيَتخلَّصَ مِنَ الوَصفِ المَذمومِ، وكَذا عَكسُه.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 38 مشاهدة 0 معاينة
  • هلك المتنطِّعون قالها ثلاثًا .

    شرح الحديث

    في هذا الحديثِ يُحذِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ التَّنطُّعِ: وهوَ التَّقعُّرُ في الكَلامِ، والَّذي يَتنطَّعُ بكَلامِه أو بقَولِه أو بفِعلِه أو برَأيِه أو بغَيرِ ذلكَ ممَّا يَعُدُّه النَّاسُ خُروجًا عنِ المَألوفِ، وأَيضًا مِنَ التَّنطُّعِ التَّشدُّدُ في الأُمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، وذلك فكُلُّ مَن شَدَّد على نَفسِه في أَمرٍ قد وَسَّعَ اللهُ لَه فيهِ؛ فإنَّه يَدخُلُ في هَذا الحديثِ، وتَرْكُ كُلِّ مظاهر التَّنطُّعِ مِنَ الآدابِ الحَسنةِ الَّتي جاءَ بِها الإِسلامُ. وقد كرَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولَه: (هلك المتنطعون) ثَلاثًا؛ تَهويلًا وتَنبيهًا عَلى ما فيهِ مِن الغائلَةِ، وتَحريضًا عَلى التَّيقُّظِ والتَّبصُّر دونَه.
    في الحديثِ: النَّهيُ عنِ التَّنطُّعِ.

    صحيح مسلم

    هلك المتنطِّعون قالها ثلاثًا .

    شرح الحديث

    في هذا الحديثِ يُحذِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ التَّنطُّعِ: وهوَ التَّقعُّرُ في الكَلامِ، والَّذي يَتنطَّعُ بكَلامِه أو بقَولِه أو بفِعلِه أو برَأيِه أو بغَيرِ ذلكَ ممَّا يَعُدُّه النَّاسُ خُروجًا عنِ المَألوفِ، وأَيضًا مِنَ التَّنطُّعِ التَّشدُّدُ في الأُمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، وذلك فكُلُّ مَن شَدَّد على نَفسِه في أَمرٍ قد وَسَّعَ اللهُ لَه فيهِ؛ فإنَّه يَدخُلُ في هَذا الحديثِ، وتَرْكُ كُلِّ مظاهر التَّنطُّعِ مِنَ الآدابِ الحَسنةِ الَّتي جاءَ بِها الإِسلامُ. وقد كرَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولَه: (هلك المتنطعون) ثَلاثًا؛ تَهويلًا وتَنبيهًا عَلى ما فيهِ مِن الغائلَةِ، وتَحريضًا عَلى التَّيقُّظِ والتَّبصُّر دونَه. في الحديثِ: النَّهيُ عنِ التَّنطُّعِ.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 59 مشاهدة 0 معاينة
  • من دعا إلى هدًى ، كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من تبِعه ، لا يُنقِصُ ذلك من أجورِهم شيئًا . ومن دعا إلى ضلالةٍ ، كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ من تبِعه ، لا يُنقِصُ ذلك من آثامِهم شيئا

    شرح الحديث

    حثَّ الشَّرعُ على الأُمورِ الحَسنةِ ونَشْرِ الخيرِ بَينَ المسلمينَ والبُعدِ عنِ الأُمورِ السَّيِّئةِ الَّتي تَعودُ عَلى المسلمينَ بالضَّررِ. وفي هَذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن دَعا إِلى هُدًى، أي: إِلى ما يُهتَدَى بِه منَ العَملِ الصَّالحِ، وسَواءٌ كانَ ذلك تَعليمَ عِلمٍ أو عِبادةٍ أو أَدبٍ أو غيرِ ذلك، (كانَ لَه منَ الأجرِ مِثلُ أُجورِ مَن تَبِعَه)، فعَمِلَ بدَلالَتِه أوِ امْتثلَ، (لا يُنقِصُ ذلك) الأَجرُ العَظيمُ المُعطَى لِلدالِّ على دَلالَتِه (مِن أُجورِهم) المُعطاةِ عَلى أَعمالِهم (شيئًا)، وأنَّ مَن سَنَّ سُنَّةً حسنةً كانَ له مِثلُ أَجرِ كُلِّ مَن يَعملُ بِها، ومَن دَعَا إِلى ضَلالةٍ ابتَدَعَها أَو سَبقَ إِليها، (كانَ عليهِ مِن الإثمِ مِثلُ آثامِ مَن تَبِعَه)، عَليها وامتَثَلَ أَمرَه فيها لَا يَنقُصُ ذلكَ مِن آثامِهم شيئًا.
    وفي الحَديثِ: الحثُّ عَلى الدَّعوةِ إِلى الهُدى والخَيرِ، والتَّحذيرُ مِن الدُّعاءِ إِلى الضَّلالةِ والغيِّ، وعِظمُ جُرمِ الدَّاعي إليها وعُقوبتِه.

    صحيح مسلم

    من دعا إلى هدًى ، كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من تبِعه ، لا يُنقِصُ ذلك من أجورِهم شيئًا . ومن دعا إلى ضلالةٍ ، كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ من تبِعه ، لا يُنقِصُ ذلك من آثامِهم شيئا

    شرح الحديث

    حثَّ الشَّرعُ على الأُمورِ الحَسنةِ ونَشْرِ الخيرِ بَينَ المسلمينَ والبُعدِ عنِ الأُمورِ السَّيِّئةِ الَّتي تَعودُ عَلى المسلمينَ بالضَّررِ. وفي هَذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن دَعا إِلى هُدًى، أي: إِلى ما يُهتَدَى بِه منَ العَملِ الصَّالحِ، وسَواءٌ كانَ ذلك تَعليمَ عِلمٍ أو عِبادةٍ أو أَدبٍ أو غيرِ ذلك، (كانَ لَه منَ الأجرِ مِثلُ أُجورِ مَن تَبِعَه)، فعَمِلَ بدَلالَتِه أوِ امْتثلَ، (لا يُنقِصُ ذلك) الأَجرُ العَظيمُ المُعطَى لِلدالِّ على دَلالَتِه (مِن أُجورِهم) المُعطاةِ عَلى أَعمالِهم (شيئًا)، وأنَّ مَن سَنَّ سُنَّةً حسنةً كانَ له مِثلُ أَجرِ كُلِّ مَن يَعملُ بِها، ومَن دَعَا إِلى ضَلالةٍ ابتَدَعَها أَو سَبقَ إِليها، (كانَ عليهِ مِن الإثمِ مِثلُ آثامِ مَن تَبِعَه)، عَليها وامتَثَلَ أَمرَه فيها لَا يَنقُصُ ذلكَ مِن آثامِهم شيئًا. وفي الحَديثِ: الحثُّ عَلى الدَّعوةِ إِلى الهُدى والخَيرِ، والتَّحذيرُ مِن الدُّعاءِ إِلى الضَّلالةِ والغيِّ، وعِظمُ جُرمِ الدَّاعي إليها وعُقوبتِه.

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 41 مشاهدة 0 معاينة
  • قال اللهُ عزَّ وجلَّ : أنا عند ظنِّ عبدي بي . وأنا معه حيث ذكرني . واللهِ ! للهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه من أحدِكم يجِدُ ضالَّتَه بالفلاةِ . ومن تقرَّب إليَّ شِبرًا ، تقرَّبتُ إليه ذراعًا . ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا ، تقرَّبتُ إليه باعًا . وإذا أقبل إليَّ يمشي ، أقبلتُ إليه أهرولُ

    شرح الحديث

    الحقُّ سُبْحانَهُ وتَعالى رَؤوفٌ رحيمٌ بعِبادِهِ، وقد أَمَرَنا أنْ نُحسِنَ الظَّنَّ به سُبْحانه مع إحْسانِ العَملِ، وفي هذا الحديثِ القُدْسيِّ الجَليلِ يُخبرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ربِّ العِزَّةِ جلَّ جلالُه أنَّه قال: "أنَا عِنْد ظَنِّ عَبْدي بي"، أيْ: إنَّ اللهَ سُبْحانه عند مُنْتَهى أَمَلِ العَبْدِ به، وعلى قَدْرِ ظَنِّ العَبْدِ واعْتِقادِه فيه، ويكون عطاءُ اللهِ وجزاؤه مِن جِنْسِ ما يَظُنُّه العَبدُ في اللهِ ثوابًا أو عِقابًا، خيرًا أو شرًّا؛ فمَن ظَنَّ باللهِ أمرًا عظيمًا وَجَدَه، وأعطاه اللهُ إيَّاه، واللهُ سبحانه لا يَتعاظَمُه شيءٌ، ومَن قَصَرَ به عقْلُه في سوءِ الظَّنِّ باللهِ فإنَّ اللهَ يُعطِيهِ على قَدْرِ ظَنِّهِ.
    "وأنا مَعَه حيثُ ذكَرَني"، أيْ: إنَّ اللهَ سُبْحانه يكونُ مع العَبدِ في حالةِ الذِّكرِ ويُؤنِسُه، فمَعيَّتُه تعالى هي مِن خاصَّةِ ذِكْرِهِ، فإنَّ المؤمنَ إذا خاف مِن الوَحْدةِ والانْفِرادِ، فإذا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى فإنَّه يَجِدُه عِنْدَه ومعه يَسْتَأنِسُ به، ويَسْتَلِذُّ بقُرْبِه، وهذه مَزِيَّةٌ عظيمةٌ للذَّاكِرِ للهِ، ومِن فَضْلِ الذِّكرِ الحَسَنِ.
    ثمَّ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "واللهِ"، أيْ: يُقسِمُ باللهِ عزَّ وجلَّ، "لَلَّهُ أَفْرَحُ بتَوبةِ عَبْدِهِ"، أيْ: إنَّ اللهَ يَفرَحُ برُجوعِ العَبْدِ المُذْنِبِ إليه تائبًا نادِمًا على ذَنْبِه أشدَّ مِن فَرَحِ "أَحَدِكم يَجِدُ ضالَّتَه بالفَلاةِ"، والفَلاةُ: الصَّحراءُ، والمعنَى: أنَّه يَجِد ناقَتَه بعدَ فَقْدِها وعليها مَتاعُهُ وطَعامُهُ وشَرابُهُ وتيقُّنٍ مِن الهلاكِ؛ فكيف يكونُ فَرَحُه إذا رجعتْ إليه ناقتُهُ؟!
    "ومَن تقرَّبَ إليَّ شَبْرًا تَقرَّبتُ إليه ذِراعًا"، أيْ: مَن تَقرَّبَ إلى اللهِ بقَدْرِ شَبْرٍ تَقرَّبَ اللهُ إليه بأكْثرَ وأَفْضلَ منه، فيتقرَّب منه بقَدْرِ الذِّراعِ، وهكذا "ومَن تقرَّب إليَّ ذِراعًا، تقرَّبتُ إليه باعًا"، والباعُ: مدُّ اليَدين والذِّراعين بما في ذلك عَرْضُ الصَّدْرِ، "وإذا أَقْبَل إليَّ يَمْشي، أَقْبَلَتُ إليه أُهَرْوِلُ"، أيْ: وإنْ أَتى العبدُ يَمشي إلى اللهِ في طَريقِ الهِدايةِ والرَّشادِ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُقبِلُ إليه ويُهرِولُ.
    والفَرَحُ والتَّقرُّبُ والهَرْولةُ كلُّ ذلك حقٌّ على ما يَليقُ بذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ليس لها مُشابَهةٌ بصِفاتِ البَشَرِ؛ فمِن عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أتْباعِ السَّلفِ الصَّالحِ: الأَخْذُ بظاهرِ أمْثالِ هذا الحديثِ، مع إمرارِها كما جاءتْ مِن غيرِ تأويلٍ ولا تَحريفٍ؛ فليسَ تَقرُّبُه إلى عبْدِه مِثلَ تَقرُّبِ المخلوقِينَ إلى غيرِه، وليس مَشيُه كمَشيِهم، ولا هرولتُه كهرولتِهم، بل هو أمرٌ يليقُ باللهِ سبحانه كسائِرِ الصِّفاتِ؛ فالصفاتُ كالذَّاتِ ويجبُ إثباتُها له سبحانه مع الإيمانِ والاعتقادِ بأنَّها أكملُ الصِّفاتِ وأعلاها، وأنَّها لا تُشابِهُ صِفاتِ الخلقِ كما قال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ].

    صحيح مسلم

    قال اللهُ عزَّ وجلَّ : أنا عند ظنِّ عبدي بي . وأنا معه حيث ذكرني . واللهِ ! للهُ أفرحُ بتوبةِ عبدِه من أحدِكم يجِدُ ضالَّتَه بالفلاةِ . ومن تقرَّب إليَّ شِبرًا ، تقرَّبتُ إليه ذراعًا . ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا ، تقرَّبتُ إليه باعًا . وإذا أقبل إليَّ يمشي ، أقبلتُ إليه أهرولُ

    شرح الحديث

    الحقُّ سُبْحانَهُ وتَعالى رَؤوفٌ رحيمٌ بعِبادِهِ، وقد أَمَرَنا أنْ نُحسِنَ الظَّنَّ به سُبْحانه مع إحْسانِ العَملِ، وفي هذا الحديثِ القُدْسيِّ الجَليلِ يُخبرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ربِّ العِزَّةِ جلَّ جلالُه أنَّه قال: "أنَا عِنْد ظَنِّ عَبْدي بي"، أيْ: إنَّ اللهَ سُبْحانه عند مُنْتَهى أَمَلِ العَبْدِ به، وعلى قَدْرِ ظَنِّ العَبْدِ واعْتِقادِه فيه، ويكون عطاءُ اللهِ وجزاؤه مِن جِنْسِ ما يَظُنُّه العَبدُ في اللهِ ثوابًا أو عِقابًا، خيرًا أو شرًّا؛ فمَن ظَنَّ باللهِ أمرًا عظيمًا وَجَدَه، وأعطاه اللهُ إيَّاه، واللهُ سبحانه لا يَتعاظَمُه شيءٌ، ومَن قَصَرَ به عقْلُه في سوءِ الظَّنِّ باللهِ فإنَّ اللهَ يُعطِيهِ على قَدْرِ ظَنِّهِ. "وأنا مَعَه حيثُ ذكَرَني"، أيْ: إنَّ اللهَ سُبْحانه يكونُ مع العَبدِ في حالةِ الذِّكرِ ويُؤنِسُه، فمَعيَّتُه تعالى هي مِن خاصَّةِ ذِكْرِهِ، فإنَّ المؤمنَ إذا خاف مِن الوَحْدةِ والانْفِرادِ، فإذا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى فإنَّه يَجِدُه عِنْدَه ومعه يَسْتَأنِسُ به، ويَسْتَلِذُّ بقُرْبِه، وهذه مَزِيَّةٌ عظيمةٌ للذَّاكِرِ للهِ، ومِن فَضْلِ الذِّكرِ الحَسَنِ. ثمَّ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "واللهِ"، أيْ: يُقسِمُ باللهِ عزَّ وجلَّ، "لَلَّهُ أَفْرَحُ بتَوبةِ عَبْدِهِ"، أيْ: إنَّ اللهَ يَفرَحُ برُجوعِ العَبْدِ المُذْنِبِ إليه تائبًا نادِمًا على ذَنْبِه أشدَّ مِن فَرَحِ "أَحَدِكم يَجِدُ ضالَّتَه بالفَلاةِ"، والفَلاةُ: الصَّحراءُ، والمعنَى: أنَّه يَجِد ناقَتَه بعدَ فَقْدِها وعليها مَتاعُهُ وطَعامُهُ وشَرابُهُ وتيقُّنٍ مِن الهلاكِ؛ فكيف يكونُ فَرَحُه إذا رجعتْ إليه ناقتُهُ؟! "ومَن تقرَّبَ إليَّ شَبْرًا تَقرَّبتُ إليه ذِراعًا"، أيْ: مَن تَقرَّبَ إلى اللهِ بقَدْرِ شَبْرٍ تَقرَّبَ اللهُ إليه بأكْثرَ وأَفْضلَ منه، فيتقرَّب منه بقَدْرِ الذِّراعِ، وهكذا "ومَن تقرَّب إليَّ ذِراعًا، تقرَّبتُ إليه باعًا"، والباعُ: مدُّ اليَدين والذِّراعين بما في ذلك عَرْضُ الصَّدْرِ، "وإذا أَقْبَل إليَّ يَمْشي، أَقْبَلَتُ إليه أُهَرْوِلُ"، أيْ: وإنْ أَتى العبدُ يَمشي إلى اللهِ في طَريقِ الهِدايةِ والرَّشادِ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُقبِلُ إليه ويُهرِولُ. والفَرَحُ والتَّقرُّبُ والهَرْولةُ كلُّ ذلك حقٌّ على ما يَليقُ بذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ليس لها مُشابَهةٌ بصِفاتِ البَشَرِ؛ فمِن عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أتْباعِ السَّلفِ الصَّالحِ: الأَخْذُ بظاهرِ أمْثالِ هذا الحديثِ، مع إمرارِها كما جاءتْ مِن غيرِ تأويلٍ ولا تَحريفٍ؛ فليسَ تَقرُّبُه إلى عبْدِه مِثلَ تَقرُّبِ المخلوقِينَ إلى غيرِه، وليس مَشيُه كمَشيِهم، ولا هرولتُه كهرولتِهم، بل هو أمرٌ يليقُ باللهِ سبحانه كسائِرِ الصِّفاتِ؛ فالصفاتُ كالذَّاتِ ويجبُ إثباتُها له سبحانه مع الإيمانِ والاعتقادِ بأنَّها أكملُ الصِّفاتِ وأعلاها، وأنَّها لا تُشابِهُ صِفاتِ الخلقِ كما قال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ].

    صحيح مسلم
    0 التعليقات 0 المشاركات 38 مشاهدة 0 معاينة